تعليق على “عارنا في الرياض ١”…..


تعليق على “عارنا في الرياض ١”..

يبدو أن المقالة أثارت الكثيرين، على وجه الخصوص في عزومة الإفطار التي أقامها الرئيس هادي اليوم في سكنه في الرياض، وحضرها كثيرون.

مرّة أخرى:
ليس عليكم أن تصدقوا ما أدوّنه في صفحتي. كل شخص يحب القول “أؤكد لكم أني قصتي صحيحة”. وأنا لا أفعل مثلهم، مع أن القصة التي سردتها صحيحة. وأنا لا أكتب لأجبركم على التصديق. أكتب لأني أعتقد أن هنالك أموراً لا بد أن تروى في وقت ما، وبطريقة ما. لأننا، في تقديري، في لحظة انكشاف عامة وشاملة ولا بد أن يكون كل شيء جلياً وواضحاً، وأن يأخذ كل الرجال، كل الجهات، كل المواقف مكانه / مكانها/ مكانهم في التاريخ. أنا أدوّن على طريقتي ولستُ متأكداً مما إذا كنتُ أفعل ذلك بطريقة جيدة أو سيئة، أو ما إذا كانت تدويناتي ستترك أثراً، أو إن أحداً ما سيرجع إليها. وهذا أيضاً غير مهم. ها أنذا أدوّن، ولدي مصادري، وأنهاري. ولا يهمني، بالمرّة، أن يقال عني كاتب جيد أو رديء، نبيل أو مرتزق، ضال أو على هُدى. لقد خسرنا أقدس الأشياء على الإطلاق: الوطن، وما دون ذلك مجرد أشياء صغيرة لا يجدي معها المديح ولا الكراهية.

وقلتُ لكم إن النص من اختراعي. أي “الأسلوب الحكائي”. كان بمقدوري أن أروي الأحداث بطريقة كلاسيكية ميّتة، أو على هيئة تقريرية بمقدورها قول كل شيء. لم أفعل ذلك، وكان الأسلوب / الوسيط الحكائي من صنيعي.

لا تزال هناك الكثير من الأمور التي تستحق أن تُروى، وسأرويها قريباً أو في الوقت المناسب. نحن مكروبون، وحتى فكاهاتنا لم تعُد تضحك أحداً. ها نحن نعيش في دوامة “يقودنا فيها باعة المخدرات وتجار السلاح، ويعيش في السجون سارقو الحليب والبيض” إذا استعرنا جملة تقريرية لأومبرتو إيكو في عمله الجديد ” العدد صفر”. نزل الله من عليائه وصار يقاتل في كل الجهات ومع كل الخصوم، مع الجميع وضد كل الناس. ولم يحدث أن ارتبط اسما الله ومحمد بكل هذه الأعداد من القتلى والمصابين كما يحدث الآن. نحن نعيش في فاجعة مهولة، تفكك الوطن إلى جهات وجبهات. وصارت كل جهة تعتقد أن خلاصها يقترب كلما قتلت من الجهة الأخرى مزيداً من البشر.

من جديد..
لا تزال هناك أمور تستحق أن تُروى، وفقاً لتقديري الشخصي. ولن أطلب من أحد أن يصدق ما سأقوله، ولن أرسل ما أكتبه لأي صحيفة أو وسيلة إعلامية. سأفعل أمراً غاية في البساطة والبداهة: الأشياء التي أثق، شخصياً، أنها تنطوي على معقولية ومصداقية سأكتبها في صفحتي، وأسجّل خروجاً. هكذا ببساطة. “لا بإيدي سيف، ولا تحت منّي فرس”. ومؤخراً بعد أن نشرت قناة الجزيرة فيلم “الطريق إلى صنعاء” لاحظت أن المئات، بالفعل، ذكروني في تعليقاتهم ومنشوراتهم وهم يقولون “لقد أخبرتنا بالفعل، قلتَ لنا” وهم يقصدون كتاباتي عن “ليلة سقوط الجمهورية”. في تلك الأيام، عندما نشرت عن كيف سقطت الجمهورية، لم أطلب من أحد تصديقي. ويستوي لدي، ككاتب يعيش وحيداً، تصديقي أو تكذيبي. أمران لا يصنعان فارقاً في انشغالي اليومي.

وكما قلتُ لكم: لقد خسرنا قدس الأقداس، الوطن، وما دون ذلك فهي أشياء صغيرة يمكن للمرء أن يدفنها ويمضي.

وها نحن بإزاء وطن صار خرابة للجميع، وأمام الجميع. لا مهزومون ولا منتصرون، لا سادة ولا رعايا، لا نصر مؤزر ولا هزيمة ماحقة. خراب يضرب الأرجاء، وخرابة عظيمة صارت خارج التاريخ. لم يعد بمقدور أحد أن يحكمه، مهما اتخذ من الوسائل، ولا أن يرمّمه. ثمة مخرج وحيد، متأخر ومكلف، وهو العودة إلى النقطة صفر، الوضع المبدئي: البحث عن وطن لكل الناس، بالعدل والقسطاس. ثم نعمل معاً على رفع الأحجار ومداوة الجرحى معاً، جنباً إلى جنب. وأن تكون هذه الكارثة قد لقنتنا الدرس الأعظم: لا يمكن للمرء أن يذهب غازياً في البلاد كما يشاء، ولا مكان للطغيان ولا للإرهاب. ومن يهدم وطناً على رؤوس ساكنيه سيجد نفسه أيضاً بلا وطن.

محبتي لكم. طابت أوقاتكم. شهر كريم.

م. غ.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version