كتّابمفكرون

“بين العقل والنقل”…


“بين العقل والنقل”

من الممكن جدا أن يحدث التوافق بين النصوص الدينية وإعمال العقل فيها، دون جمود وانغلاق، ودون التوقف عند تأويلات وتفسيرات القدماء، ولكن ذلك هو التهديد الأكبر الذي يواجه تجّار الدين، الذين يرون في ذلك ما يفتح الطريق لكل صاحب فكر وعقل أن يعمل عقله، فلا يصير الأمر حكرا عليهم، والشيء الغريب أنهم في سبيل ذلك منعوا حتي علي أنفسهم حق الإجتهاد والتجديد.

وعدّتهم في ذلك أقوال غير مقبولة مثل إجماع الأئمة أو الأمة، والنصوص بين قطعية وظنية الدلالة والثبوت، وما هو معلوم من الدين بالضرورة، الي آخر هذه المصطلحات التي لم ينزلها الله في نصوصه، ويربطون ذلك بعلم اخترعوه وأسموه علم أصول الفقه، وهي تبريرات غير ذات معني، لا تهدف الّا لمنع التفكير والإجتهاد.

اذا كان الله هو مرسل النصوص وهو أيضا خالق العقل الذي سيفهمها، فأي حاجز بينهما كاف لأن يدمر الفكرة من جذورها، فلا يكون اله ولا تكون نصوص، كما أن الله أيضا لم يرسل النصوص لعقول دون عقول، أو لعدد محدود من خلقه، كلفهم وحدهم بعقل النصوص وتفسيرها لباقي الخلق.

هنا سينبري التجّار حاملي التوكيل ليحدثونا بأن إطلاق الأمر، سوف يخضعه للظنون والأوهام والأهواء والشهوات والأغراض الشخصية، وهو كلام مردود عليه بأن ما يدرينا أن مفسريكم الأوائل لم يخضعوا لمثل ذلك، بل ما يدرينا أنهم لم يواجهوا ضغوطا بعينها كضغوط الحكام مثلا قادتهم الي تفسيرات لا يجب أن نقف عندها وحدها، ثم أن العقل الجمعي عندما تطلق حريته في التعقّل لن يقبل بتفسيرات وتأويلات خاضعة لعوامل غير حقيقية، بل أن من يتبع الظنون والأوهام والأهواء والشهوات والأغراض الشخصية عليه أن يتحمل تبعة ذلك فالفرد هو المسؤول الأوحد أمام الله علي نيته وضميره.

لو سلمنا بذلك سينتفي تماما أي تعارض بين العقل والنصوص المنقولة، ويتيسر تفسيرها في ظل الأهداف العليا التي تحقق الخير للإنسان وتحافظ علي بقائه بجلب المصالح ودرء المفاسد وفي ارتباط تام بالظروف الزمانية والمكانية التي يواجهها وتتشكل منها مصالحه أو مفاسده.

جوهر الفكرة يكمن في امكانية تطور التفسيرات والتأويلات للنصوص، وعدم وقوفها علي زمن بعينه، وبالتالي علي ناس بعينها، عاشوا أزمانا غير أزماننا وغير الأزمان القادمة،ومنع احتكار النصوص لفئات بعينها، فهي لا تملك عقولا مختلفة عن عقولنا.

وأولا وأخيرا, فالإنسان الفرد, هو المخاطب بهذه النصوص وهو المنوط بالتعقل فيها، ويمكنه أن يستعين بغيره دونما الحجر علي حقّه في الفهم والإقتناع والاعتقاد.
#بالعقل_والهداوة

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Sameer Zain-Elabideen سمير زين العابدين

خريج الكلية الحربية فبراير 1969, أعمل حاليا في النظر حولي وأشياء أخري, عقلي هو إمامي ورئيسي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى