بني حشيش، صورة من الداخل…


بني حشيش، صورة من الداخل
ـــــــ

الجيش الوطني يتوغل ببطء في محافظة صنعاء، ويقترب من مديرية بني حشيش، الخزان الأكبر للعصابات الحوثية.

في بني حشيش يسكن قرابة١٠٠ ألف مواطن. عملت تلك المديرية على دعم جبهات الحوثيين في الجنوب ومأرب وتعز، وسقط منها آلاف القتلى في الجهات الثلاث. من الأعلى تبدو بني حشيش أشبه بمغارة، أو متاهة. حاولت، خلال الأشهر الماضية، التعرف على بني حشيش. تواصلت مع أصدقاء من المديرية، ومعاريف. ما الذي دفع مديرية بني حشيش لتتصدر قائمة القتلى والقتلة الحوثيين؟ كيف تحول المُزارع الطيب، المعني بملاحظة الكرمة والسحابة، إلى قاتل؟
كان الحوبان، المدخل الشمالي الشرقي لتعز، سوقاً لعنب بني حشيش، قبل أن يصبح معسكراً لمقاتليهم.

سبق أن زرت بني حشيش في العام ٢٠٠٨ بصحبة رفيقتي الفلسطينية ساره ياسين. تجولنا في مزارعها ونزلنا ضيوفاً عند بعض أهلها. كانوا ودعاء وطيبين، وكانت أرضهم تفتح بابها للغريب كأنها تعرفه منذ زمن.

البارحة، وهذا النهار، كنتُ على تواصل مستمر، كتابياً، مع شخصية رفيعة من بني حشيش. أجابت “الشخصية” عن بعض أسئلتي وتساؤلاتي، وبق الجزء الأهم والأكبر من الأسئلة تائهاً، بلا إجابات.

سأترككم مع مختصرات من إجابات “تلك الشخصية” عن وضع مديرية بني حشيش. ربما يجد المعنيون والدارسون بعض النور في سرداب الأسئلة الطويلة، في عتمة بني حشيش التي لم يعُد يرقص فيها سوى القتلة والتوابيت..

ــــــــــ

النص، كما وصلني..

١. كنت أظن أن الجهود التي يبذلها حزب الإصلاح لأدلجة شباب بني حشيش لا تهدف سوى إلى توسيع القدرة التصويتية للإصلاح وتحويلهم من مواطنين إلى ناخبين بحسب تعبيرك الطريف يا دكتور. الآن ألاحظ أن الإصلاح بدون قصد كان يبعدهم عن السقوط في مستنقع الموت في الوديان والشعاب وسفوح الجبال والتحول إلى طعام للكلاب والسباع. أخبرت صديقاً إصلاحياً بهذه الملاحظة فقال لي لو كنا نعلم أن تلك ستكون النتيجة لبذلنا جهداً أكبر.
تعز ومارب هما الثقب الاسود الذي أكل شباب بني حشيش،
تعز اكلت من مديريتي كثير. القصف والهمجية التي تراها في تعز هي تعبير عن الكمية الهائلة من الغيظ والحنق لقتلاهم.

٢. بني حشيش ضحية إهمال دولة الجمهورية لها وهي على مرمى حجر من صنعاء، بل منطقة سعوان التي تقع ملاصقة للمدينة السياحية والسفارة الأمريكية هي من الناحية القبلية جزء من بني حشيش.
ظلمتها الجغرافيا كونها تمتد بين اربعة وديان في غاية الخصوبة، من النادر جدا أن تجد شخص من بني حشيش فقيراً، الماء الجوفي متوافر بالقدر الذي جعلهم يستغلون كل شبر في وديانهم زراعيا، وهذا اجرى المال في أيديهم فاستغنوا عن التعليم لأنهم لم يروه أكثر من مصدر للمعيشة، فكان لسان حالهم يقول: وماذا عساي ان أستفيد من الدراسة. امتلات جيوبهم بالمال وفرغت عقولهم تدريجياً حتى صارت خاوية على عروشها، ولك أن تتخيل أن مائة ألف نسمة تقريبا هم سكان بني حشيش لم يحصل على درجة الدكتوراه منهم ٱلا أربعة أشخاص.

٣. السبب الثالث لمأساتها استيطان عدد غير قليل من الاسر الهاشمية المتعصبة فيها، أقول هنا المتعصبة أي التي تعيش بأحلام الملكية ولا تعترف بالجمهورية. فكل شخص لقبه (الوزير) فهو من بني حشيش وإن نشا وعاش في غيرها، وتأثيرهم يتضح من خلال المثال الآتي:
أعرف قرى ليس فيها هاشمي واحد لذلك لا يوجد فيها حوثي واحد. أستطيع القول إن تلك القرى لم يسقط منها قتلى.

لقد اوشك الذكور في قرى كاملة على الانقراض، ورب الكعبة لست مبالغا، ولن أعدو الصواب إن زعمت أن اعتماد الحوثي على بني حشيش كمخزن بشري (ذاتي التمويل) وركز على مسألة إنه (ذاتي التمويل) يساوي اعتماده على عقر داره حيدان.

حتى ما قبل أسبوع من الآن بلغ عن القتلى في ثلاث قرى صغيرة، حوالي المائتي قتيل، ولا يستصغر هذا الرقم. عندما نذكر أنه في ثلاث قرى صغيرة، لعله يشمل معظم شريحة الشباب، ولو كان الٱمكان الفرز فلن تجد في القرى بعد هولاء إلا الأطفال والنساء وكبار السن ومن لم يهرب من الإصلاحيين.
لذلك كثير من الحشيشيين يندفع للقتال بدافع الانتقام لقتلاه.

٤. لم يسلم الحشيشي من التورط مع الحوثي وحركته بنسب مختلفة ومستويات متباينة من التورط (ما بين قاتل مجرم كحد أعلى أو متعاطف وممول مادي كحد أدنى). شباب الأحزاب الذين رفضوا القتال مع الحوثي هربوا إلى مأرب أو الخارج.

٥. الحوثي بتفنن في توريط الحشيشي، بشكل غريب لكي لا يتراجع ولا تأتيه لحظة كلل او ملل. يحمله عهدة متعددة الأشكال من النوع الذي يستهلك ولا يمكن ان يتمكن من إخلاء ذمته منها، ويحصي هذه العهد عليهم بدقة الميزان الحساس، ثم يدفعهم للمهالك، فإن لم يموتوا فهم متورطون باثقال تجعلهم غير قادرين على الفكاك.

٦. الحوثيون في بني حشيش يحفرون الخنادق، وستكون أرضهم ميداناً كبيراً للمعركة القادمة، وهي ذات طبيعة جغرافي صعبة، انتزاعها سيكلف الجيش الوطني فاتورة كبيرة، مالم يحصل انهيار مفاجئ.
هم الآن في خوف ووجل كبيرين، يلاحقون كل من يشكون في تعاونه مع المقاومة، يتملكهم الخوف ويظهرون الجسارة واللامبالاة.

٧. في حصار السبعين، كان صمود عبدالرقيب عبدالوهاب ورفاقه من اكبر اسباب النصر، وكان احد اكبر القيادات العسكرية للإماميين من بني حشيش هو الفريق قاسم منصر، هذا الرجل انشق عن الإماميين في لحظة الصفر، فاستطاع ان يقصم ظهر الإماميين، وكان انشقاقه من اسباب انتهاء الحصار، ولكن الأمل في حدوث شيء مماثل الآن شبه منعدم، فقاسم منصر ورجاله لم يكونوا عقايديين كالمعاصرين.

٨. تجد الحشيشي يركب أحدث السيارات ويتابع موديلاتها، الحشيشي في الغالب يعرف تعز جيدا، فمعظم المقاتلين كاتوا يسوقون ثمار مزارعهم وخاصة العنب إلى سوق الجملة في الحوبان.

٩. القرى التي كان للأحزاب نشاط فيها سواء الإصلاح أو غيره لم يذهب منها أحد إلى جبهات القتال وانا مسؤول عن كلامي. أعرف قرية عدد سكانها أكثر من ألفين لم يخرج منها أحد إلى القتال بسبب توغل الأحزاب فيها وهي عامة قرى قليلة جدا.

١٠. لا توجد مديرية تنافس بني حشيش في انسياق أهلها الأعمى خلف الحوثي كمطايا، ولكن خولان والحيمتين وبني مطر تقفان كأجنحة تخفق في آن واحد وبمستوى متكافئ بالحب للحوثي. الفقر الشديد في معظم هذه المناطق جعل أبناءها يختصرون مشوار البحث عن الرزق في تقديم أنفسهم كرجال حرب ومرتزقة بلافتات رسمية، أقصد: جنود في الحرس والتشكيلات العسكرية والأمنية المختلفة أو أعضاء لجان شعبية حوثية.

..

ــــــ

طابت أوقاتكم.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version