توعية وتثقيف

برمجنى المجتمع منذ أول يوم فى حياتى. برمجنى والداي وعائلتى…


برمجنى المجتمع منذ أول يوم فى حياتى. برمجنى والداي وعائلتى وأقرانى والجيران والمدرسة والراديو والشيوخ والقساوسة والعادات والممارسات … وهكذا فعلوا معك ومعه ومعها ومع كل مخاليق الله. لهذا لدينا هويات وجنسيات وتقاليد ومعتقدات – المصريون يحبون الفول المدمس، واليابانيون يفضلون الإفطار بشوربة سمك … وهكذا. على مدى التاريخ كان الإنسان يُولد ويعيش حياته ويموت فى نطاق دائرة قطرها بضعة عشرات من الكيلومترات. (وإستمر هذا حتى قبْلَ جيلين أو ثلاثه.) لهذا ترسخت تلك العادات و المعتقدات وأصبحت جزءاً من الكيان الفردى والجماعى. هذه هي طبيعة الحياة، هكذا تعمل الماكينه، أو كما يقول الأمريكيون:
“That’s the way the cookie crumbles.”

نعود إلى موضوعنا- يتبرمج الإنسان منذ أول يوم فى حياته ببرنامج يُنقش فى وجدانه كما تُنقش منظومة العمل (Operating system) فى الكومپيوتر لحظة إنتاجه وتبقى فيه إلى نهاية خدمته. ليس فى مقدرة الشخص الطبيعي أن ينتفض ضد هذه البرمجة العميقة أو ينفضها أو يُغيّرها. لذلك ليس غريباً أن عدد الذين يفعلون ذلك هو عدد محدود للغاية (١% على أقصى تقدير). هم فى الحقيقة مجرد طفرات فردية شاذه. ليس هذا مدحاً فيهم أو ذماً فى غيرهم. فلا هم لهم الفضل فى هذه القدرة، ولا غيرهم يعاب عليهم نقصها. هذا شيئ من الطبيعة (أو من الله حسب إيمان القارئ.)

القدرة على التملص من القفص الحديدي للبرمجة ليست مرتبطة بالذكاء، أو على الأقل بما سميته فى تعليق سابق ‘الذكاء الأكاديمى’. (إذا كانت هناك علاقة، فهي غير مباشره.) العلاقة الأكثر وضوحاً ربما تكون مع الشجاعة الفكرية. فالسبب الأساسى لإستسلام الأغلبية للبرنامج هو الخوف. والخوف فيه أنواع، منها خوف الشخص من أن يكون مختلفاً أو ناشزاً، أو من أن يكون مُغرَّباً مهجوراً، أو رعبه من عقاب بشع إخترعه نفس أولئك الذين برمجوه.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫12 تعليقات

  1. It has a lot of factors, mainly the ethical structure and conscious, Culture, Education and attitude, revolting on the main stream needs courage and determination to open mind to new avenues and change Ideology, only live fish can swim against the stream to go to the vast ocean.

  2. التعليم ثم التعلم ثم التمعن يمكن تشبيهها بالexcitation الذي يحدث للذرات فيهرب الإلكترونات من أسرها ، هكذا يحدث للبعض فيخرج من أسر المناطقية ، حتى لو كان ذهنيا و عقليا و ليس بدنيا.

  3. حتي الثقافه الجيده في أعلي صورها قد لا تكون كافيه للتحرر..
    يحتاج المرء الي صفات شخصيه ، ظني انها غير مكتسبه كالجرأه والقدره علي التحدي والمغامره..

  4. تعبير (البرمجة) تعبير آلي الكتروني ربما يتناقض مع الطبيعة البشرية. ربما ان قلنا (التلقين) او (الادلجة) indoctrination كان اقرب. وهنا اود ان انوه ان التقدم في المراحل العمرية والامتزاج بثقافات عديدة لهما دور فاعل في الفكاك التدريجي من قيود التلقين. كما أن احترام الاختلاف وحرية الرأي والنقد الموضوعي تسهم في هذا التحرر. حقا التحرر من الخوف الشجاعة الأدبية هما سبيل التحرر. لكن ما العمل في سلوك دول العالم الثالث؟ وافر الشكر لسيادتكم اثارتكم لهذه القضية. 😊🌷

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى