انهيار الثورات على ذلك النحو المأساوي في سوريا، اليمن، ليبيا، ومصر يعود في الأسا…


انهيار الثورات على ذلك النحو المأساوي في سوريا، اليمن، ليبيا، ومصر يعود في الأساس إلى الصراعات القاتلة التي نشأت داخل معسكر الثورة. وما فعله الإخوان المسلمون بالثورة المصرية، وقد تابعنا يومياتها أولاً بأول، كان هو فاتحة كل الشرور. هناك ثورة في السودان، الثورة الآن، ولا يبدو أنها سيكون لها أصدقاء كثيرون. فقد رأينا – يقول الحال – جناية الثورات على البلدان. يستحق السودان العظيم نظاماً ديموقراطياً وحياة بلا قيود، ويملك الحق في أن تكون له ثورته بالطريقة التي يختارها. غير أنه يمضي بلا سابق مثال يحيل إليه، فلا الثورة المصرية ولا تلك السورية بمستطاعها أن تمنحه إلهاماً. على أن احتمال أن تجني الثورة السودانية على نفسها مخاطر أشد فتكاً من الديكتاتورية المستدامة يبقى احتمالاً ممكناً. ذلك أنها، كما حدث لدينا، ينفذها مجتمع شديد الانقسام، وتستهدف الديكتاتورية من خلال نظريات ومشاريع تناقض نفسها. في بلداننا، بعد أن سقطت الديموقراطية تصادمت النظريات والافتراضات، وتفككت الثورة من داخلها وآلت إلى حروب أهلية. قد لا يكون ذلك قدر البلدان كلها، بيد أنه القدر الأكثر إمكاناً عندما يقوم مجتمع غير مستقر بثورة ضد نظام وحشي كان هو السبب الوحيد في منعه من التصدع. قلت للصديق عمر إدلبي في بدايات الثورة السورية: استعدوا لطريق طويل من الآلام. ومرت الأيام ورأيت صديقي الشاعر السوري يمضي في ذلك الطريق، الطريق الذي صار قدرنا الأخير. يعرف السودانيون ما الذي عليهم فعله، هذه الفرضية على خطورتها قد لا تكون صحيحة. وأخطر منها أن يصح افتراض بديل يقول: البشير فقط هو من يعرف ماذا يريد، وكيف يصل إلى مراده. غالباً ما تتمتع الانظمة العصابوية والأوتوقراطية ببنية أكثر تماسكاً وصلابة من الظواهر الانفعالية التي تهب لمواجهتها. سألت نفسي قبل ايام إن كان استنتاجي هذا جيداً بالمعنى التاريخي: إن فوضى شاملة هي أفضل، على المدى الطويل، من استقرار تصنعه نظرية دينية أو منظومة أوتوقراطية. وخشيت أن تكون الإجابة “نعم”..

الحرية لشعب السودان.

م.غ.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version