توعية وتثقيف

القواعد (Rules) و الإستثناءات (Exceptions)…


القواعد (Rules) و الإستثناءات (Exceptions)

هناك مقولة شائعة تنص على إنه “لكل قاعدة شواذ.” و نحن بالفعل نلاحظ فى تجربتنا الحياتية أن هناك دائماً إستثناءات لأي قانون أو قاعدة أو عرف. خذ، على سبيل المثال، القاعدة (غير المكتوبة) التى تشير إلى أن العنصرية هي وليدة جهل أو غباء أو خلل نفساني (أو كوكتيل من الثلاثة). هذه القاعدة تنطبق على أغلب الحالات، لكننا أيضاً نعرف أن لها إستثناءات.

سأتحدث فى هذه المقالة عن إثنين من أشهر تلك الإستثناءات – رجلان كان تأثيرهما على البشرية أعظم و أعمق من تأثير أي ملك أو إمبراطور، أيهما لا يمكن إتهامه بالجهل أو الغباء، وكلاهما كان عنصرياً و مجاهراً بعنصريته. الرجلان هما هنرى فورد و وليام شُكْلِى (Shockley).

لم يخترع فورد السيارة، (كما يعتقد البعض،) لكن عبقريته تجلت فى تخيل مستقبل بدون عربات تجرها الخيل، و فى إبتكار منظومة شاملة لتصنيع و تسويق ما كان يسمى فى زمنه ‘العربة-بدون-حصان (horseless carriage)’ أو ‘الحصان الحديد (iron horse)،’ و صار فيما بعد يسمى ‘المتحرك ذاتياً (automobile).’ أنشا فورد و أدار بنجاح شركة هائلة، بل أسس صناعة بأكملها كانت فى وقتها أعظم صناعة عرفها التاريخ. و أسس، من ضمن ما أسس، علم هندسة الإنتاج، و سير الإنتاج المتحرك (conveyor belt)، و تفتيت المهارات إلى عناصرها، و فكرة الإنتاج الكثيف، (mass production) و غير ذلك من المواد التى يتعلمها المهندسون حتى يومنا هذا.

لا يمكن إتهام شخص كهذا بالجهل أو بالغباء. لكنه كان عنصرياً للنخاع – يحتقر السود و يكره اليهود. ليس كأفراد هنا و هناك كانت له معهم تجارب سيئة، بل كأجناس بشرية بأكملها. و لم تكن تلك مشاعر دفينة يكبتها فى سره، بل كانت معتقدات يُبررها و يجاهر بها.

هذا مثال … أما وليام شُكْلِى (Shockley) فكان مديراً لمشروع صغير فى معامل أبحاث شركة بل (Bell) للتليفونات يبحث عن إيجاد بديل للصمام الإلكتروني المفرغ (vacuum tube)، و توصلوا إلى ما صار يعرف بالترانزستور (transistor). من الترانزستور وُلدت الدوائر المتكاملة، ومنها نتج الحاسب الرقمي و الثورة التكنولوجية المعلوماتية التى نعيشها الآن.

لم يكن شُكْلِى (Shockley) شخصاً لطيفاً، (تلك قصة أخرى لا مجال لها هنا،) لكن تأثيره الإيجابي على مسار التاريخ و الحالة البشرية كان هائلاً. لا يمكن إتهام شخص كهذا بالجهل أو بالغباء. لكنه كان عنصرياً عن إيمان و إقتناع – وألَّف نظرية (تبدو فى ظاهرها علمية) تُرسى أساساً علمياً-كاذبا (pseudo-scientific) لتفوق العنصر الأبيض.

أُذَكّر القارئ الفاضل أن موضوع المقالة ليس فورد أو شُكْلِى (Shockley)، و ما هما إلا مثالين توضيجيين. الموضوع هو أن لكل قاعدة شواذ، (بما فى ذلك هذه القاعدة ذاتها.) و أُذكّر القارئ أيضاً أن الإستثناء لا يطغى على القاعدة و لا يلغيها. والحقيقة ما زالت هي أن العنصرية و العرقية و سائر أنواع التعصب هي نواتج للجهل أو للغباء أو لخلل نفسي (أو لكوكتيل من الثلاثة.)

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫13 تعليقات

  1. جيد جدا ما كتبته ولكنه حاد عن نقطة هامة للغاية وهي بعيدة نسبيا عن العلم والذكاء ألا وهي الوعي الإنساني القيمي والفطرة الإنسانية المستقيمة السوية التي تنأي تماما بطبيعتها عن الميول العنصرية ذات النقص والعار الإنساني ولا تشترط علما أو ذكاء معلوماتي.

  2. وهناك المثال الأشهر ، وان كان لايُعَد من العلماء وآمَن به شعب ألمانيا بشكل شبه كامل ، هتلر !!
    حتي الشعوب مارست العنصريه وآمنت بها ولو لبضع سنوات علي الرغم من تفوقها العلمي والحضاري …

  3. هنري فورد لم يكن استثناءا بل هو القاعدة، في أيامه كانت الكوكلوكس كلان دولة داخل الدولة و أعضاؤها بالملايين. بل لا توجد قاعدة من الأصل كي تكون اسثناءات إنما هو مجرد تفكير رغبوي سطحي

  4. Vargath Goliath أنت تعانى من شيئ ما و تعبر عنه بأن تكون جارحاً. (هذه ليست أول مره.) لا لزوم لذلك، فأنا لن احذف تعليقاتك على أي حال.

  5. إتفاقي مع حضرتك علي أن العنصرية أمر كريه و مخزي، يسير جنبا إلي جنب مع عدم إتفاقي في إرجاع أسباب العنصرية لثلاثية الجهل و الغباء و الخلل النفسي 🤔 … هذا مع إحترامي لرؤية حضرتك طبعا يمثل oversimplification لأمر أعمق و أكثر تعقيدا …

  6. هناك عنصر آخر قد يكون تم اغفاله وهو التجربة الشخصية للفرد التى يتولد عنها شعور عنصرية كأن تعرض التوبيخ او الإيذاء بدنى او نفسى من فرد من عرق او دين معين

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى