السنوات السبع الأخيرة كانت هي الأكثر قسوة وضراوة في حياة اليمنيين. فيها رأس حضار…


السنوات السبع الأخيرة كانت هي الأكثر قسوة وضراوة في حياة اليمنيين. فيها رأس حضارم ثلاثة الحكومة وعملوا في ظروف بالغة القسوة، أحدهم وضعته الميليشيات الصنعانية تحت الإقامة الجبرية والآخر عبثت الميليشيا العدنية بمكتبه وألقت بكرسيه من النافذة. كان الاثنان على مسافة قصيرة من “القتل”. إنه المنصب الأسوأ على الإطلاق، وأكثر ما يجعله سيئاً لذلك الحد هو وقوعه مباشرة تحت ظلال هادي.

حصل ثلاثتهم على مكافأة نهاية خدمة مُرّة. اصطدم هادي بالأول، ثم بالثاني، ثم بالثالث. يريد هادي رجلاً يتشابه وشه وقفاه، موظفاً مسطحاً بلا أبعاد، مؤخراً أحتاس في منصب “سفير اليمن” لدى الأمم المتحدة فمنح المنصب لسفيره في واشنطون. وهكذا صار على سفيره في واشنطون أن يكون سفيره في نيويورك أيضاً. سألتُ أحد رجاله: لماذا لجأ لمثل هذا القرار؟ قال الرجل: هادي لم يعد يثق بأحد، بحث في عزلته وقريته ودائرته عن رجل يضعه في الأمم المتحدة فلم يجد، لقد استهلكهم جميعاً وهو لا يرى أناساً غيرهم، فاضطر لمنح المنصب لسفيره في واشنطون.

يقول بحث أركيولوجي انجليزي مطول إن ما ذكره العهد القديم عن العذاب الذي حل بالمصريين “الظلام الدامس، الضفادع، القمل، الطاعون، ..” حدث بالفعل، بما في ذلك انفلاق البحر وهلاك خيالة فرعون .. البداية كانت، تقول الموجودات العلمية، في انفجار بركان عظيم في واحدة من الجزر القريبة من اليونان، الانفجار البركاني ذاك غير كل شيء: طبيعة البحر وفيزياء البر، وعبر تلك التحولات “المنطقية” حل العذاب بالمصريين! في البدء كان البركان، كان ضخماً ودنبوعاً على نحو يصعب تصوره، حتى إن مصر دخلت في ظلام دامس، وخرجت الضفاع وماتت الأسماك وصار لون البحر أحمر، وانفلق من جهة أخرى .. وأغرق الفراعنة!

عودوا إلى السنوات السبع الأخيرة، تذكروا ما كتبته في العام ٢٠١٤: سبعة عشرة عاماً من العبودية، اللحم الميت لا ينبض ..

تذكروا كيف نشأت المأساة، كيف حل الظلام الدامس، كيف دخلت الضفاع إلى ديار اليمنيين، وكيف صارت أرضهم حمراء، كيف تسلل الطاعون والجراد والدم .. في البداية كان الدنبوع، ثم حل العذاب بعد ذلك.

أنا هنا لا أدافع عن بن دغر ولا عن سلفه أتساءل فقط: لماذا انتهت خدمة الحضارم الثلاثة نهاية مأساوية؟ لن أنسى رائحة المرار والخذلان في صوت باسندوه وهو يحدثني عن شهوره الأخيرة في خدمة هادي..

صمت أربعة أعوام، لم يقل لشعبه ما الذي يحدث ولماذا يحدث، ومتى سيتوقف عن الحدوث. تركهم للكوليرا والحصار والميليشيات .. وفقط عندما كتب يحيى صالح إن “أورطى هادي” ليس بخير خرج الرجل من منفاه بعد الثانية عشر ليلاً وألقى خطاباً من دقيقتين ونصف، من خلاله زف بشرى لشعبه العظيم، مفادها: الأورطى بخير..

في رواية “طريق الحوت”:
»لمّا نزل الوباء جمع هارون الكهنة وأشعل البخور حتى رضي الرب«

هيا أعزائي الكهنة نشعل البخور،
حتى يرضى الرب
ويجلو هذا الظلام الدامس..

م.غ.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version