توعية وتثقيف

أمريكا دولة عظيمة بلا شك. ليست مثالية، وفيها من المشاكل…


أمريكا دولة عظيمة بلا شك. ليست مثالية، وفيها من المشاكل والنواقص الكثير، لكنها فى المحصلة هي الرائدة بين بلاد العالم فى مستوى المعيشة والتقدم العلمى والتكنولوجى والإقتصادى. لا يختلف المثقفون على هذه الحقيقة، لكنهم يختلفون على تشخيص أسبابها. ما يلى هو نظرتى للعوامل التى أعتقد أنها ساهمت فى جعل أمريكا الأمة العظيمة التى نعرفها. بعض هذه العوامل إيجابي، وبعضها مؤسف، (وهكذا كل شيء فى الحياه):

* القارة العذراء: كان السكان الأصليون للقارة الأمريكية يؤمنون بعدم جواز ملكية الأرض أو نبشها أو إستخراج خيراتها. لذلك عندما إستعمر المستوطنون الأوربيون القارة الإمريكية كانت الأرض “عذراء” لم تُنتهك، وكان الخير غزيراً فوقها وتحتها. كان عدد المستوطنين صغيراً، والأرض شاسعة، وكان المستوطن يتملك كل الأرض التى فى مقدوره الدفاع عنها، (عشرات أو مئات الآلاف من الأفدنه فى كثير من الحالات.)
* التقاليد الأنجلو-ساكسونيه والپروتستانيه: شجعت التقاليد الأنجلو-ساكسونية (تقاليد الإنجليز والألمان وأقربائهم) الإنضباط وحب العمل والإيمان بالمبادرة الشخصية، ورفضت التواكل والإعتماد على الغيبيات.
* الرأسمالية بلا قيود (laissez-faire capitalism). من الناحية الإقتصادية يحقق هذا النظام أفضل نتائج ماديه (طالما لا تهمك المعاناة الإنسانيه.) وقد شاهدنا هذا ليس فقط فى الولايات المتحده، بل فى أماكن أخرى مثل هونج-كونج وتايوان وكوريا الجنوبيه.
* السوق المتراميه: تمثل الولايات المتحده (بأكثر من ٣٠٠ مليون مستهلك ذوى مستوى معيشه مرتفع ولغة مشتركه) سوقاً ممتازة تزدهر فيها الأعمال بمختلف أنواعها.
* المناخ القانونى: فى المرحلة الصناعية أصبح الإطار القانونى فى الولايات المتحدة مشجعاً للإبتكار والمخاطرة إلى درجة لا مثيل لها فى باقى العالم. وهذا يشمل حماية الملكية الخاصة سواء المادية أو الفكريه، و منظومة براءات الإختراع التى تضمن للمبتكر إحتكار التقنية دون منافسة لعدد من السنوات، إمكانية الإفلاس دون تداعيات مالية أو معنويه، الشركات المساهمة وذات المسؤولية المحدوده التى تحمى ممتلكات صاحب العمل الخاصة إذا أفلست شركته … إلخ.
* الأيمان بالعلم: الشعب الأمريكى هو الشعب الوحيد الذى تمكن من الجمع بين التدين والإيمان بالعلم فى نفس الوقت. ربما هم لا يؤمنون بالعلم كموقف فلسفى بل لأنه ينتج أرباحاً، وربما إيمانهم بالغيبيات صوري … من الصعب الجزم فى هذا الشأن.
* المنافسه. يعتقد الأمريكيون أن التنافس (وليس التعاون) هو المحرك الرئيسى للتقدم. لذلك كل شيئ لديهم، من الصناعة إلى التعليم إلى الإقتصاد إلى السياسه مبنى على المنافسه. وقد أنتجت هذه العقيدة نتائج باهرة حتى الآن، (طالما لا تهمك العواقب الإجتماعية على المدى الطويل.)
* الإنتقاء الطبيعى: الشعب الأمريكى أكثر تقبلاً للمخاطرة من أي شعب آخر. وهذه خاصية لها تأثير إيجابى فى مجال الأعمال. و ربما يرجع هذا إلى أن الذين هاجروا من بلادهم إلى مستقبل وعر ومجهول فى أمريكا كانت لديهم التركيبة الوراثية التى تشجعهم على المخاطره.
* الحرب العالمية الثانيه: خرجت الولايات المتحدة من الحرب ولديها أقوى إقتصاد فى العالم، بينما كل الدول الصناعية الأخرى كانت قد دُمّرت تماما. أدى هذا إلى الإتفاق على أن يكون الدولار الأمريكى هو عملة الإحتياط النقدى لجميع الدول، وكذلك عملة التعاملات التجارية بينها. وأعطى هذا الولايات المتحدة مركزاً متميزاً عاد عليها بمكاسب إقتصادية (وسياسيه) طائله.
* القوة الناعمه: تخصصت السينما الأمريكيةفى إنتاج الأفلام التى تفتقر إلى قيمة فنيه، لكنها ملونة وجميلة وتعج بالنساء الفاتنات. ساهم هذا فى تشكيل ولاء عالمى لأمريكا، (فضلاً عن الأرباح الوفيرة.) كما أن إنتشار اللغة الإنجليزية كلغة عالمية بلا منافس رسخ هذه السيطرة الثقافيه.
* الإنفتاح للهجره: المجتمع الأمريكى من أكثر المجتمعات المتطورة تقبلاً للمهاجرين. وقد أدى هذا، مع مستوى المعيشة المرتفع والجامعات الممتازه، إلى قدوم ملايين من أفضل الكفاءات العلمية والفنيه.

هذه هي أغلب العوامل فى نظرى، وهي فى مجملها عوامل إيجابية. لكن السرد لا يكون عادلاً إذا لم أذكر العوامل الأخرى التى لا تشرف التاريخ الأمريكى:

* العبوديه: نحن نعرف أن الإنتاجية (productivity) هي ناتج العمل مقسوماً على تكلفته. والعبودية هي أعلى صور العمل إنتاجية (طالما غضضنا النظر عن بشاعتها الأخلاقيه.) وقد إستمتع المجتمع الأمريكى بفوائد هذا النظام اللا-إنسانى بلا وازع لمدة ٣٠٠ سنه لإنتاج ثروات هائلة.
* العزله: حتى بداية القرن العشرين كانت الولايات المتحدة فى عزلة شبه كاملة عن باقى العالم. ولم يكن أحد يعلم إلا القليل عن الوحشية التى كان المستوطنون يمارسونها مع السكان الأصليين ومع العبيد المستوردين (ومع بعضهم البعض فى حالات كثيره.) لذلك لم يكن هناك ما يردع المستوطنين عن الإمعان فى الإستغلال واللا-إنسانيه، مما أدى إلى تكوين ثروات خرافية لم يكن لها مثيل فى أي مكان آخر.
* مجال النفوذ: على مدى قرن بأكمله كانت الولايات المتحدة تستورد الموز من جمهوريات أمريكا الجنوبية بأسعار خرافية فى تفاهتها، وكذلك البترول من الشرق الأوسط والكاكاو من أفريقيا … إلخ. وكان هذا بمثابة تمويل من تلك البلاد المسكينة لمستوى المعيشة المرتفع فى الولايات المتحده. فى نفس الوقت كانت “جمهوريات الموز” هذه سوقاً مضمونة للمنتجات الصناعية الأمريكية عالية السعر دون منافسه.

كل واحدة من هذه النقاط يمكن الإستفاضة فيها والإشارة إلى مراجع ومؤلفات. كما قد يكون فيها جدال. كذلك هناك عوامل ثانويه مثل قوة الحكم المحلى، لكن هذا البوسط قد تعدى ال ٥٠٠ كلمه، وهذا يكفى.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫9 تعليقات

  1. كالعادة تحليل جميلٌ دقيقٌ، اسمح لي أضيف على العامل العاشر (الإنفتاح للهجرة) ، الهجرة المنتقاة بعناية (هل أقول وخبث؟)، يتعب الشعب المصري أو الهندي أو الباكستاني أو .. في تخريج طبيب (مهندس جيد، عالم شاب، …) ثم تقشط أميركا ثروة المتخصصين، وحقها: تفتح أمامهم طريق التقدم لفائدة الطرفين، المجتمع الأميركي والشخص.

  2. البند ٢ غير صحيح فقد نفذه السادات (السداح مداح)وكانت النتيجه كارثيه. اعتقد السبب الأساسي هو دع
    الزهور تتفتح واعتناق العنف كأساس ومازال هذا الاعتقاد مستمر والعنف واضح داخليا وعلي مستوي العالم

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى