لماذا يبدو الوقت مناسباً للجلوس مع الحوثيين على طاولة حوار؟…


لماذا يبدو الوقت مناسباً للجلوس مع الحوثيين على طاولة حوار؟
مروان الغفوري
ـــــــ

في الواحد والعشرين من سبتمبر الماضي، ٢٠١٤، أسقط الحوثيون العاصمة. ينتمي اليمن إلى ذلك الشكل من الدولة الذي ينتهي شأنه لمجرد سقوط العاصمة.

لقد انتهى شأن اليمن في ذلك المساء، وعملياً دخلت الحكومة ثم الرئاسة في طور الإقامة الجبرية. انقسم الجيش بين الحوثي وصالح. بينما احتفظ صالح بتشكيلات الحرس الجمهوري سيطر الحوثي على أكثر من ٧٠٪ من ترسانة ما تبقى، طبقاً لتقارير محلية. الحلف الذي شيده الرجلان صار ضارب القوة. لقد حمل صالح الحوثي على كتفيه فرأى الأخير ما لم يرَ. عبر شبكة المصالح الخاصة بالأخير، المؤتمر الشعبي، وصلت اليد الحوثية إلى أبعد القرى في الدولة الكبيرة. كان صالح هو القفاز، بالنسبة للحوثي. وكاناالحوثي هو الشاكوش الذي هشم به صالح كل شيء. انتقم لنفسه ولسلطانه، وراح يستعيد أشياءه. بحسب الرواية التي قدمها حميد الأحمر لبن عمر كان صالح يبلغ مشائخ البيضاء بضرورة التسليم. ما يجري، أخبرَهم، لم يكن سوى محاولة لاستعادة الدولة التي انهارت في ٢٠١١.

بعد ٢٦ مارس، ٢٠١٥، تغيرت الحقائق. خسر الحوثيون وصالح كل ذلك الجيش الجرار. خسروا الأراضي في الجنوب والشرق والوسط. دخلوا في حلقة قاتلة من العزلة الدولية والداخلية. لم يعُد ممكناً أن يبني الحوثي مملكته، ولا أن يستيعد صالح جمهوريته. أمام الرجلين خيارات ضيقة، إما الاستمرار في حرب مفتوحة تستنزف مال صالح وشبكته، وشيئاً فشيئاً تقترب من مخبئه، أو الذهاب إلى تسوية سياسية لهذه الحرب. بنفس الطريقة يفكر الحوثي. البارونات الاجتماعية والمالية والعسكرية التي راكمت الثروة والنفوذ خلال عهد صالح انحازت لحلفه الجديد على أمل أن تراكم مزيداً من المكاسب. لم يكُن خيارها سيئاً وحسب، بل انتحارياً. ليس الخيار نفسه بل الوضع الذي خلقه الحليف. ليس أسوأ على مالكي الثروة من اللااستقرار، هناك تصبح الثروة بلا معنى.

استطاعت أقليات في بلدان معينة أن تحكم الأغلبيات. حدث ذلك في فجوات تاريخية لا تكرر نفسها. اعتقد الحوثيون أنهم عثروا على تلك الفجوة، ليتفاجأوا بالنيران من كل مكان. لقد انتهى مُلك الحوثي، وبقيت أمامه فرصة أن يستمر زعيماً لطائفته، بتأثير لا يتجاوز حجمها، وربما لا يبلغ حتى حجمها.

الخيارات أمام الحركة الحوثية ضيقة. حليفها الكبير يخوض صراعاً وجودياً في أراضٍ أخرى. لقد تورطت الحركة الحوثية في الحرب المنسية. أما صالح فهو زعيم شبكة مؤقت، بلا تاريخ ولا أعماق. تسوية هذه الحرب هي الخيار الاستراتيجي الوحيد الذي يملكه الحوثي وحليفه. يدفعان، من وقت لآخر، بمئات المقاتلين إلى حدود السعودية بلا غطاء، ولا يعود منهم أحد. دخول قرية سعودية لن يضع حداً للحرب ولن يغير خطوطها. إنها فكرة صالح، فيما يبدو، لأجل تحسين وضعه التفاوضي. التفاوض، العودة إلى السياسة، هي الطريق الإجباري. إذ عملياً خسر الحوثيون حوالي ٦٥٪ من الأرض اليمنية منذ بداية عاصفة الحزم. لم يعد الرجلان يملكان من خطة ولا فكرة كبيرة لمواجهة الداخل والخارج، ولا لفرض أمر واقع. لم يعودا قادرين على تخيل شكل النصر الذي يريدانه.

بخلاف القاعدة فالحوثي يبحث عن “الأرض والماء”. يريد وضعاً مستقراً ليمارس سلطانه أو هيمنته. ملكت حركة الحوثي كل شيء، وها هي تخسر شيئاً فشيئاً كل شيء. انهزم مشروعها الكبير، وتفككت مشاريعها الصغيرة. كانت تعلم، في البدء، ماذا تريد من الحرب لذا بدت خساراتها معقولة. مع الأيام لم تعد الحركة تدري ماذا تريد من الحرب، فقط تخوضها بلا أفق. على الطرف الآخر تعرف المقاومة جيداً، وكذلك التحالف والحكومة، ماذا تريد من الحرب. انفتح باب للسياسة، أخيراً، ولا بد أن المقاومة تعرف أيضاً ماذا تريد من السياسة. وفي كل الأحوال فقد سقطت مملكة الحوثي، وجمهورية صالح، وبقي بلد مفكك ومهدم إما أن يكون للجميع أو لن يكون لأحد. وذلك هو سؤال سويسرا القادم.

ـــــ

عن صحيفة الوطن القطرية

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version