“لقد أمضى هذا المتعصب الأعمى حياته أبعد ما يكون عن روح المصالحة. كالفن لا يعرف ا…


“لقد أمضى هذا المتعصب الأعمى حياته أبعد ما يكون عن روح المصالحة. كالفن لا يعرف التسوية، ولا يعرف سوى طريق واحد: طريقه. بالنسبة إليه: الكل أو لا شيء، السلطة الكاملة أو الامتناع التام. لا يقبل حلاً وسطاً. ذلك أن امتلاك الحق أو الاحتفاظ به أمر ذو صفة وظيفية. لا يقدر أن يتخيل، أو يفهم، وجود شخص آخر بوسعه أن يكون بمستواه أو يمتلك الحق ذاته. يالنسبة إليه: من البداهة أنه وحده من يُعلِّم، وأن على الآخرين أن يتعلموا منه. حتى إنه قال حرفياً باقتناع حقيقي صادق “ما أعلمه أتاني من الله، وهذا ما يؤكده لي ضميري”. وبثقة بالذات مهيبة ومرعبة صرح أن أقواله والحقيقة سواء “الله أعطاني النعمة لأعلن ما هو جيد وما هو سيء.”. دائماً كان ذلك المهووس يخنق ويرغي ويزبد إذا تجاسر أحدهم على إبداء رأي مضاد لرأيه. يكفي أنه تجاسر على التفكير بطريقة مختلفة، فهذا يجعله في نظر كالفن عدواً لدوداً، وبالتالي عدواً عالمياً.

بقلوب مخلصة منح مواطنو جنيف تأييهم للإصلاح الذي جاء به كالفن، وبحرية تامة جمعوا أنفسهم في الساحات العامة، وتبنوا العقيدة الجديدة كرجال مستقلين برفع الأيدي.
لكن في المقابل ثار كبرياؤهم الجمهوري حين تم اقتيادهم تحت رقابة شرطي عشرة بعد عشرة مثل قافلة مساجين عبر المدينة، لكي يقسموا يمين الولاء ـ احتفالياً ـ بتلاوة المواد التي صاغها كالفن.
كان كالفن قد أفرط في الاندفاع. دائماً يستخف العقائديون السياسيون بقيمة التمرد الكامن في الطبيعة الإنسانية المسترخية.
لقد أطلق ذلك الرجل على أفضل اللاهوتيين والعلماء والأدباء في عصره: أفاع تفحّ ضده، كلاب تنبح ضده، أوغاد، بهائم، أتباع الشيطان”

إلخ”

ــــــــ

هذا النص ليس عن عبد الملك الحوثي واليمنيين، بل عن القديس جون كالفن الذي قدم من فرنسا إلى جنيف مطلع القرن السادس عشر، وسيطر عليها في العام ١٥٣٦م. كان مصلحاً دينياً، سرعان ما صار ديكتاتورياً. العقيدة الدينية، الكالفنية، سرعان ما خلقت ديكتاتورية شاملة، وتلك استفزت الكبرياء الجمهوري للمواطنين، فوضعوا حداً لدولة كالفن الدينية!

هذا النص، أيضاً، مقتبس من كتاب “كاستيلو ضد كالفن” لأحد أهم كتاب عصر النيورومانتيك Stefan Zweig.

اقرؤا النص أكثر من مرة. فعلا، كما قال الكاتب الألماني الأشهر توماس مان تعليقاً على الكتاب قبل ثلثي قرن:
دائماً ما يتشابهون.

نهاركم سعيد.
م. غ.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version