في فندق هادئ على أطراف مدينة في وسط أوروبا، أشعر بقليل من العطش .. وأحن إلى أشيا…


في فندق هادئ على أطراف مدينة في وسط أوروبا، أشعر بقليل من العطش .. وأحن إلى أشياء صغيرة وحلوة في بلدي

إلى اللحظة التي شربت فيها كوباً من المانغو والحليب، وفي وسطه تعوم قطعة آيسكريم .. في المكلا. كان نهاراً حاراً، وكنت فتى يحمل في يده كتاباً باللغة العربية عن المناعة، وكان ذلك الكوب البارد هو الذي منع انهياري أمام المحيط.

إلى ليلة قدمنا فيها من القرية نحمل مصاباً إلى المستشفى العسكري في تعز، وقال الحرس “سيموت قبل أن يأتي الجراح العراقي” كنت يافعاً، رجعت خطوات إلى الوراء عثرت على ريالات في جيبي. اشتريت بها قطعة جاتوه من الجهة المقابلة ، وقرأت دعاء عميقاً. أتذكر تلك القطعة الحلوة، كانت أول لحظة غرام بين قروي أعزل وخائف وبين مدينة لا تخاف.
أما الطفل فقد نجا ثم اختفى إلى الأبد.

للأيام التي كنت أقف فيها أمام باعة الطورمبا في الباب الكبير، تعز، والطريقة التي كنا نلقي بها تلك الحلوى العبقرية إلى أفواهنا..

لجبن الضباب، وحلاوة البرح

لشراب الزبيب في صنعاء القديمة. يحاصرك النحل، ويلكزك رجل من خلفك وينتظر منك اعتذاراً. بينما يكتفي البائع بترديد كلمات إن شاء الله الحمدلله، وهو يقبض الفلوس.

للصباحات القديمة في بيرباشا في الطريق إلى المدرسة، لكشك صغير يقف رجل من جماعة الدعوة على بابه ويوزع الخمير الساخن والشاي على الزبائن، ثم يفرد ظهره ويقول لصديقه الواقف على مسافة “سافروا أمس إلى الحديدة، يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً”
فيرد عليه صديقه:اجلس اطلب الله يا أبو حسان
يرد الرجل: دنيا فانية.

لهريسة الراهدة، ودكان حلوى قديم في وادي الضباب على طريق التربة.

لدكان رجل كان اسمه الصبري، يبيع الخبز الدافئ للمسافرين قبل المغرب. مات بعد ذلك، واختفى دكانه. مع الأيام لم يعد يتذكره سوى سائق بيجو وحيد كلما مر على أثر المكان قال السلام عليك يا اسماعيل.

لدكان من الزنك في الجبل كانت تملكه امرأة اسمها الدهبلية. كانت طيبة القلب، رائحة الزلابيا التي تبيعها تجلب الملائكة والعصافير، وتؤجل الخريف. لذلك الصباح عندما أعطيتها ريالين، ما إن فرغت من تناول الزلابيا والبطاطا حتى بادرتني:كم انديت لي يا ابني، قلت لها “خمسة” فأعادت لي ثلاثة ريالات. كانت تلك الريالات الثلاثة هي الكسب الحرام الوحيد في حياتي، ومنذ ذلك الصباح القصي لم أضف إليها ريالاً رابعاً.

إلهي، كن رحيماً بذلك البلد

م. غ.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version