كتّاب

أمجد سيجري | مشاهدة الفيديو



**** رقصة ميتزيفه – طائفة الحاسيديم اليهودية **
َ
َ
أمجد سيجري Amjad Sijary
َ
جميعنا رأينا وتداولنا على مدى سنوات صوراً على مواقع التواصل الإجتماعي تبين رجل دين يهودي متشدد يمسك حبلاً تمسك به عروس يهودية دون أي معرفة بتفاصيل هذه الصورة فقط نستخدمها لوصف التشدد الأرثوذكسي اليهودي لذلك سنحاول في هذا المقال الإضاءة على أهم الجوانب المتعلقة بهذه الصور .

في الحقيقة هذه الصور هي جزء من رقصة يهودية تسمى ميتزيفه أو ריקוד מצווה وتعني" رقصة الأوامر " وهي إحدى أشهر الرقصات التي تقام ضمن أعراس اليهود ضمن الطائفة الحاسيدية החסידות أي " الزاهدين أو المفرطين بالتقوى " وهم مجموعة دينية تعتبر جزءاً من طائفة الحريدم المتشددة التي تتصف بإنعزالها الإجتماعي ، نشأت هذه الطائفة كرد فعل على القيم الغربية من أجل إحياء الروحية الدينية اليهودية خلال القرن الثامن عشر في أوكرانيا ومن بعدها انتشرت في جميع أنحاء أوروبا الشرقية ويعتبر الحاخام إسرائيل بن إليعازر المعروف بالإسم " בעל שם טוב " بعل شيم طوب " أو " السيد ذو الإسم الطيب" مؤسس هذه الطائفة والذي كان حاخاماً صوفياً ومعالجاً شعبياً استخدم التصوف والتمائم والتعويذات في ممارساته ، شدد على وحدانية يهوه ووجوده في العالم المادي وطرق الوصول إليه والاندماج معه عبر عدة ممارسات زهدية حيث اعتبر ان الأكل مثلاً له تأثير فعلي على المجال الروحي للإنسان واسلوبه مرتبط بعملية الاندماج مع الله كما إعتبر مثلاً أن الصلاة بنشوة وعزم كبير توفر قنوات أكثر للضوء الإلهي كي يتدفق إلى العالم الأرضي كما شدد على أهمية الفرح والرضا في عبادة يهوه ، وضع الأساس لحركة شعبية ، قدم من خلالها مساراً أقل صرامة بكثير لليهود من المسار الارثوذكسي المتشدد مما أدى إلى قيام عدد من الشخصيات اللاحقة من هذه الطائفة الذين عارضوا التعلم التلمودي بالإستشهاد به وإعتباره مصدر لعقيدة الحاسيديم
يلتزم أفراد طائفة الحاسيديم بالممارسات اليهودية الأرثوذكسية مع التركيز الفريد للحركة على التقاليد اليهودية لأوروبا الشرقية كاللباس واستخدامهم اللغة اليديشية في الحياة اليومية واليديشية هي لغة يهود أوروبا والتي نمت خلال القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين من لغات عدة منها الآرامية والألمانية والإيطالية والفرنسية والعبرية بالتالي فإن الحاسيديم لايستخدمون العبرية إلا في الصلوات والدراسة كونها لغة مقدسة .

بشكل عام تعاليم هذه العقيدة الغامضة والأخلاقية لا يسهل تمييزها بشكل كبير عن التيارات اليهودية الأخرى
لكن بشكل عام العقيدة الحاسيدية تتمحور حول فكرة القائد القديس الذي يعتبر كمصدر إلهام مثالي وشخصية مؤسسية يتم تنظيم أتباعه حوله في الأدب المقدس للحركة ، يُشار إلى هذا الشخص باسم צדיק صديق ويقرأونها "تساديق" وتعني الصالح وغالباً ما يُعرف أيضاً بالكلمة أدمور Admor אדמו"ר وهي اختصار אדוננו מורנו ורבנו أدوننو مورنو وربنو "سيدنا ومعلمنا وحاخامنا "وفكرة القداسة والمحورية للسيد المعلم هذه كاللتي نراها عند الصوفية الإـ///ــلامية التي تتمحور حول شيوخ الصوفية والتي تستند الى فكرة تقول بأنه في كل جيل ، هناك أشخاص صالحون يتم من خلالهم اجتذاب التدفق للنور السماوي إلى العالم المادي وبإمكانهم الصعود إلى العوالم العليا وقادرين على حصاد التدفقات السماوية ومنحها لأتباعهم .
لذلك يمكن أن نقول أن التقديس والخضوع للأدمور من المبادئ الأساسية ، لأنه يعتبر سلطة روحية يجب على التابعين أن يترابطوا معها ليقتربوا من الله .
شكل أعضاء الطائفة نوعاً من الأخوة ، وانتشرت بسرعة ، وبلغ عددها حوالي خمسين ألفًا في عام 1770 م أثار هذا التقسيم الجديد معارضة كبيرة من جانب التلموديين ، وفي عام 1781 ، تم الإعلان عن أن الحاسيديم زنادقة ، لكن الطائفة استمرت في الازدهار ، ولديها اليوم عدد كبير من الأتباع يتم تنظيمهم بشكل طوائف مستقلة تعرف باسم "المحاكم" أو السلالات ، يرأس كل منها زعيمها الوراثي" الأدمور ".
يجمع الحاسيديم كراهيتهم للتلمود من ناحية و بين النفور من جميع اشكال الثقافة الحديثة من ناحية أخرى ، وتتكون آدابهم من أعمال صوفية وقابالية وهم يعتمدون بشكل كبير على القبالة اللوريانية هي مدرسة من القابالة سميت على اسم الحاخام اليهودي الذي طورها إسحاق لوريا حيث قدمت اللوريانية سرداً جديداً أساسياً للفكر القبالي معتمدة على ما ظهر في كتاب الزوهار الذي تم نشره في القرون الوسطى.

بالعودة للرقصة وتفاصيلها بعد أن تعرفنا على الطائفة الحاسيدية في البداية يتم جلب العروس الى مكان العرس يرافقها عدد قليل من النساء يكونون خلفها في قسم النساء وعادة ما يكون أقاربها وبعض الحاخامات المهمين ، في قسم الرجال على احد للجانبين وفي الجانبين يتوزع الحضور من الذكور ولا يوجد أي ساتر يفصل بين القسمين تقف العروس ثابتة في أحد أطراف الغرفة تمسك بحبل أو وشاح طويل يمسكه الرجل الراقص أمامها وغالباً ما يكون أحد الحاخامات البارزين أو أحد كبار عائلتها كالأب أو الجد ترافق هذه الرقصة صلاة من قبل الراقص من أجل الحياة الزوجية
يتناوب العريس ومعظم أقاربه الذكور على الرقص مع العروس و في حالة زواج أبناء أو أحفاد الحاخامات البارزين ، يصبح عرس كبير يشارك فيه المجتمع بأكمه من اتباع ومريدي الحاخام وقد يستمر الرقص هنا طول الليل وحتى الفجر .
بشكل عام هذه العادة سبقت الحسيدية ، فلها أساسها في التلمود في قسم كيتوبوت כתובות في قسم נשים والذي يعني "النساء" أو "زوجات" يتضمن الأعراف الخاصة بما يخص اتفاق ما قبل الزواج اليهودي و المسؤوليات الزوجية ، وخاصة تلك المخصصة للعقد الزوجي كما يصف حقوق العريس ومسؤولياته تجاه العروس حيث يوجد في هذا القسم تعبير "كيف يرقص المرء مع العروس؟" على الرغم من أن معظم الجماعات الأرثوذكسية تعارض هذه الممارسة ، حافظت الحاسيديم على شكل من هذه العادة القديمة أي الرقص أمام العروس لمنحها شرف في ليلة زفافها كما يقولون.

في المعنى الرمزي اليهودي ترتبط هذه العادة بمفهوم الزواج في اللاهوت اليهودي والذي يقوم على فكرة الاتحاد بين الذكورة والأنوثة والذان يشكلان معاً باجتماعهما وحدانية يهوه الذي يمثل الذكورة في ذاته و يمثل الأنوثة في حضوره بيننا عن طريق " الشكينة שכינה‎ " السكينة التي تمثل حضرة الله وهذا المصطلح غير موجود في العهد القديم لكنه موجود ضمن الأدب الحاخامي في المشناه والتلمود سنهدرين وفي القابالة الذي عين الحضور الإلهي بالسفيروت العاشر .
مع ملاحظة ان مصطلح السكينة مستخدم في القرآن ويفسره المفسرون على أنه الطمأنينة والسكون لكنها في الحقيقة تعبر عن الحضور الإلهي و هي ذات المصطلح المستخدم بالأدب الحاخامي والذي أصبح معادلاً للروح القدس في المسيحية .

لكن من وجهة نظر شخصية طقوس هذا الزواج تدل بوضوح على الرمزية الخاصة بتبعية المرأة للرجل وسيادته عليها في الدين اليهودي والاديان المرتبطة به والذي نراه واضحاً في النص الصريح في سفر التكوين 3:16 وقال للمرأة: تكثيرا أكثر أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولادا. وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك" .
بالتالي الحبل يمثل هذه السيادة والتبعية للرجل المقرب من العروس و وانتقال التبعية بمباركة إلى الزوج الذي رقص ذات الرقصة معها وهو ممسك ذات الحبل الذي يمثل حبل السيادة والسلطة على المرأة ويرقص رقصة الأوامر .

أمجد سيجري | كاتب وناشط مجتمعي

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى