الليلة رحت أرد على عدد من الشكاوى الطبية اللي طرحت في تطبيق “طبيبي” في قسم القلب…


الليلة رحت أرد على عدد من الشكاوى الطبية اللي طرحت في تطبيق “طبيبي” في قسم القلب.
شفت شاب راح لدكتور قلب معروف، الشاب يعاني من نغزات على الصدر لأسباب غير قلبية (في القرن ال19، أثناء الحرب الأهلية الأمريكية، كان الدكتور داكوستا يعمل في الجيش الأميركي وكان الجنود يترددون عليه بأعراض صدرية معتقدين أنها قلبية. وصف الظاهرة باسمه، وقال إنها متلازمة داكسوتا، فيها يكون القلب سليما وغير مسؤول عن الأعراض). المهم الشاب طلع بليستة علاج من ضمنها ديجوكسين.

مريض ذهب إلى طبيب آخر اكتشف إن عنده ضعف في عضلة القلب غير معروف السبب، راح الطبيب كتب له بلاڨيكس.

شاب عمره 24 سنة عمل فحص دهون طلعت مرتفعة سنة بسيطة راح الزميل الثالث كاتب له ستاتين.

هذه علاجات خطرة توصف خارج مهمتها ووظيفتها. هي مش بس عديمة الفاعلية في مثل هذه الأمراض، بل ضارة للغاية وتقريبا الموضوع عامل زي واحد قال لصاحبه جزمتي ضيقه قال له صاحبه أوكيه اشتري لك شمير.

هذا مثال بسيط للغاية، وتقريبا مع كل روشتة في عك أزلي مهول. أحيانا أشوف بعض الزملاء يتعاملون مع القلب كما كان الطب الأغريقي يتخيل “الرحم”. في ذلك الزمان كان يقال إن الرحم الظامئ أو الناشف يسافر في الجسد من مكان إلى آخر بحثا عن الماء والكلأ. وفي طريقه يدهس بعض الأعضاء ويتسبب في أمراض شتى. وصف في أدبيات ذلك الزمان بالحيوان داخل الحيوان، وقال عنه أفلاطون إنه يسافر بحثا عن الرضى، وكرر هايبوقراط الزعم نفسه. وجاءت الشعوب بعد ذلك وقررت أن تبخر الرحم عشان يقر في مكانه. البخور طقس عظيم، وقد يساعد الجسد على الاسترخاء ويدفع باتجاه دعم ما لنظام المناعة. لكن الرحم لا يعشو في الجسد. كان أطباء القرون الوسطى يكتبون في روشتة الدواء للست اللي تشتكي من أعراض متداخلة: الجماع. عشان الرحم يعود إلى مطرحه والدنيا تخف شوية.

على كل حال،
ثمة مقولة استهلالية غالبا ما نجدها في افتتاحيات الدراسات ذات الصلة: إن الأسبرين أكثر خطرا من كل ما تخيلناه عنه.
أعني هنا حتى بيبي أسبرين إذا استخدم خارج دواعيه فهو خطر. ديجوكسين لشاب عنده شوية نغزات عضلية أو حتى جلطة قلبية هو اغتيال بطيء.

الأطباء في العادة أذكياء، شروط الالتحاق بهذه المهنة معقدة للغاية، وعشان تبقى طبيب لا بد إن عيلتك تبتدي تحضرك للرحلة وتستثمر فيك من الابتدائية. عشان كذا يعتبر الالتحاق بالمدرسة الطبية نجاحا عظيما من أول يوم. الناس بتلجأ إليك وهي فزعة وخايفة على حياتها ومش المفروض تتعرض لخديعة ولا غش. أهم جملة ممكن يقولها الطبيب هي: معرفش والله، روح لفلان. الطب مش كرامة ولا قبيلة ولا عضلات. الأمر متعلق بحياة والديك وعيلتك.

ودائما دائما هناك جملة مركزية في الطب:
Little is more
Weniger ist mehr
القليل أكثر من كافي.

العلاجات، تعلمنا في المدرسة الطبية، هي أسلحة. يعني شاب عمره 35 تروح رازعه ليستة علاجات عشان قال لك عندي نغزة وشوية دهون. هذا شحط علاجه تمارين لياقة وتغيير نظامه الغذائي، مش كيس دوا.

فضلا عن الكلفة الباهضة للرعاية الطبية وليستة العلاج. وفوق كل هذا التأثير النفسي القاتل لاعتقاد الشخص أنه أصبح مريضا في القلب لمجرد إنه طلع بكيس دوا مالوش أي ستين لزمة. مرات بلا عدد تقول لي بنت شابة أنا مريضة قلب، أشوف فحوصاتها وتاريخها مفيش أي حاجة، يمكن لمسة روماتيزمية من الماضي السحيق بلا أي أثر إكلينيكي على المدى الطويل. الزميل قال لها أنت مريضة، والهانم دخلت في مونولوغ سوداوي متصل من عام لآخر وبدأت تعد المتبقي من أيامها. كمان عشان ما ينفهمش كلامي خطأ: طب القلب يتطور كل بضعة ساعات، حتى المريض الحقيقي بالقلب مش المفروض يخاف ويسقط فريسة الإحباط والهلع. إحنا ما بقيناش في زمن الرحم المسافر. مع إن بعض الروشتات ترمينا فجأة لذلك الزمن.

ربنا يسهل.
أتواجد في الآب “طبيبي” في القلب والأوعية، ارفع أوراقك وخلينا نناقشها ونفهمها سوا. لو تأخرت أنا أو زملائي شوية مش معناته إني إحنا ما بنردش.

محبتي،
ولا تخلوش رمضان يفشخكم سكر وزيوت

م. غ.

إلخ إلخ..

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version