معنويات…


معنويات

كنت فى زيارة لمصر قبل عدة سنوات، وذهبت ذات صباح مبكر إلى مكاني المفضل وهو المتحف المصري. كان فناء المتحف يومها يعج بالسياح زرافات ووحداناً، ووقفت فى صف طويل متلوي أمام شباك التذاكر.

بعد فترة لم تكن طويلة، إندفع ضابط كان يقف فى أعلى سلالم المدخل نحوى فى خط مستقيم، مخترقاً طريقه بين جحافل السياح. بدأ الضابط “إستجوابه” لى بالسؤال: “هل أنت مصرى؟” لما أجبت بالإيجاب، قال: “أعتقد أن سنك ربما فوق الستين؛ …؟” سأل ذلك برفق، حرصاً على مشاعرى، على الرغم من وضوح الحقيقة، (وهي أن سنى وقتها كان قد تعدى سن سيدنا نوح، وربما متوشالح.) لما أجبت بالإيجاب، قال: “حضرتك لا تحتاج إلى تَذكرة دخول. إتبعنى من فضلك.)

ما الذى دفعه إلى ذلك؟ ما الذى دفعه لأن يخترق طريقه فى الزحام لمسافة ٥٠ متر ليفعل خيراً لشخص لا يعرفه؟ لم يكن ذلك من واجباته ولم يعود عليه بشيئ. لماذا؟ لا أعرف، لكنى لا أنسى تلك الواقعة.

ينصح الأطباء النفسيون: “عندما ينتابك الإحباط والكآبة، وتتملكك ذكريات الفشل والكبوات، حاول أن تتذكر حدثاً كنت فيه ناجحاً ولامعاً.” إتباعاً لنفس التوصية – كلما قرأتُ أو سمعتُ عن مصر والمصريين أخباراً كئيبة محبطة (و فيسبوك فيه من ذلك ما يكفى،) أحاول أن أستدعى للذاكرة تلك الواقعة فى فناء المتحف المصري.

إحقاقاً للحق لم تكن تلك هي الحادثة الوحيدة. إبنى وُلد بينما كنا فى الخارج. ولما رجعنا إلى مصر ذهبت مع إبنى إلى مكتب فى العباسية لإضافته إلى بطاقتى العائلية. للإحتياط أخذت معى دوسيه متخم بالإثباتات والوثائق والشهادات. نظر إلينا الموظف وقال: “لا حاجة لأية أوراق … أنت تقول إنه إبنك، إذاً فهو إبنك!”

لا أعرف ماذا حدث لذلك الموظف.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version