كانت محاكم التفتيش هى أقصى (وأقسى) تشنجات المؤسسة الدينية…


كانت محاكم التفتيش هى أقصى (وأقسى) تشنجات المؤسسة الدينية الكاثوليكية فى مواجهة مد الحضارة. فى أسبانيا وحدها حكمت محاكم التفتيش بالإعدام على ٣٢ ألف مواطن. وفى إيطاليا أحرقوا العالم چوردانو برونو، وأوشك العالم الجليل جاليليو جاليلى أن يلقى نفس المصير. ناهيك عن ما حدث فى تولوز وباڤاريا وغيرهم. كان الهدف المعلن هو تخليص الدين من الهرطقات، لكن الهدف الحقيقى كان إرهاب الناس وتأمين خضوعهم غير المشروط للمؤسسة الدينية. وتعاونت السلطة الدنيوية (الملوك والأباطرة والأمراء) فى هذه الجريمة، فهي لم تكن تضرهم فى شيئ، وكون الشعب يعيش فى رعب وخنوع هو أمر لا بأس به من وجهة نظرهم.

إنطوت تلك الصفحة المؤسفة فى تاريخ البشرية ولم يبقى منها سوى ذكراها المؤلمة. لكن الفكرة مازالت حية فى الشرق الأوسط. وشاء القدر، (والقدر أحياناً شديد القسوة،) أن تكون بلدنا الطيبة هي أحدى الأماكن القليلة التى تزدهر فيها محاكم التفتيش فى القرن الواحد والعشرين. يرجع “الفضل” فى ذلك أولاً إلى الرئيس السادات الذى حول مصر إلى دولة ثيوقراطية، وثانياً إلى عمرو موسى ولجنته التى لغّمت الدستور بالمواد اللازمة لترعرع محاكم التفتيش. وهذه المواد هي:
1. الدولة لها دين.
2. التعاليم الدينية هي مصدر القوانين.
3. يُعاقب أي شخص ينتقد المعتقدات الرسمية.
4. كبير المؤسسة الدينية فوق الدولة والقانون، لا يُسأل ولا يُحاسب، ولا يمكن عزله.

لكننا يجب أن نكون محقين فى كلامنا ونشير إلى أن المقارنة مع أوربا فى عصور الظلام هي مقارنة غير عادلة. فالحالات فى مصر ما زالت تُعَد على أصابع اليدين، والأحكام نسبياً خفيفة (وإن كانت تتزايد.) لكننا أيضاً يجب ألا نخدع أنفسنا – المحكمة التى تحاكم الناس على معتقداتهم ما هي إلا محكمة تفتيش، سواء سُميت كذلك أو لا.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version