قضايا المرأة

دارين حليمة | قصة أساور أمي أساور امي… وصوت أساور أمي عتيقة وأصيلة، لكن


قصة أساور أمي
أساور امي… وصوت أساور أمي عتيقة وأصيلة، لكن لها قصة حرمان وشوق كبير.
تَمسُّك امي بتلك الأساور العتيقة، لم يكن بسبب أنها ذهب أو لحب الزينة. بل كان تمسك بما يقدمه ابي أو بالأحرى بالقليل الذي قدمه أبي، ليس القليل من الذهب والملبس والمأكل بل القليل من العاطفة والحب، وأخاف ان تكون القلة القليلة من النشوة الجنسية. فأمي كباقي الأمهات اللواتي امتهن باحتراف كيف ترضين الزوج وتختزل نفسها في اللقب الأهم الزوجة الصالحة المربية الفاضلة.

لا صباح ولا مساء لا ان مرضت أو خرجت أو بدلت أي ثوب. كانت لتفارقها تلك الأساور. بل لاحظت أنها تحمل معها لغة جسدية خاصة بأمي. تتأرجح بين الغزل والحب والقلق والغضب.

فحين يتأخر أبي تعد أساورها واحدة تلوه الأخرى بهدوء وحيرة مطأطأ الرأس. وحين تتكلم عن أبي لجاراتها كانت تمسكها وتجمعها في يدها الاخرى كرزمة واحدة. وكأنما تشعر بقوة الترابط. وإن جلست أمام أبي ترفع عن كمها لتلتقط كأس الشاي فتنهمر إسواره وراء إسواره ببطيء من أمام عينيه، فيرى كيف تلمع تلك الأساور فوق بشرة مخملية بيضاء.

وان غضبت مني وأرادت صفعي كانت تبعدها للخلف قبل القيام بالصفع، خوفا من أن تلتوي او تنحني تلك الأساور على رأسي "التنح" كما كانت تقول. وإن انتقد أخي أبي أمامها كانت يدها لترتفع لوجهه عاليا ولتسمع ترنيمة صاخبة من أساورها على خده. لا أحد ينتقده. هي فقط من يحق لها انتقاده.

كنت ساذجة حين خجلت من أساور أمي أمام صديقاتي في فترة مراهقتي. لأنها لم تكن "على الموضة" كما وصفتها آنذاك. بل وتجرأت ونقدت زوق أبي امامها. قلت بأنها تحتاج للتجديد وليست مناسبة للعصر الحديث. ولم أفهم سبب تلك الصفعة التي وصلت لوجهي للمرة الأولى قبل أن تسحبها للخلف. وكأنني قلت لها بدلي أبي.

مازلت أتذكر كيف كانت تنتظر عودته في المساء، لتفتح قميصها ثلاثة أزرار فيظهر جمال صدرها ويندمج برطوبة البخار المتصاعد من الحساء الذي تعده له بمحبة مداعبة أحلامها الرومنسية البخارية تظهر رونقا خاصا بتلاصق الأساور. وكأن غزل أمي المسموح الخجول كان يدفق كله في الطعام، وحين تقوم بتنظيف الصحون ترى ابتسامة لا تفارق وجهها وكأنها وصلت لنشوتها الجنسية والروحية بإرضاء معدة أبي. وبقيت أتساءل ولم أسأل أمي، هل أرضاك أبي جنسيا يا حنونة كما أرضيت معدتته، أم أنك قبلت أيضا بفتات الجنس.

كانت أمي تتذكر كل ما يخص أبي. ثيابه وكم قميص لديه وكم ربطة عنق وكم جراب وحذاء وكيف يحب طبخته المفضلة بمزيد من الليمون وكيف يحب الشاي بعد الغداء. والقيلولة بعد الشاي. وعدم مقاطعة نشرته الإخبارية اليومية الساعية بأي من مشاكل الأطفال والطلبات. فكانت تنتظر ليلتفت اليها ويسألها عن رأيها بماذا سيرتدي غدا لتنهض وتجلب نصف ثيابه وتفرشها أمامه معلقة نظرها على عينيه عسى ان تنال تقديرا حميميا ربما لم تنله في السرير.

وحين يعود أبي و يلتفت للأخبار متناسيا أمي. كانت تحول لفت نظره بخشخشة أساور تمررها حين تسحب ثوبها من جانب التلفاز.
لم أفهم الوحدة التي قاستها أمي منتظرة منه الكلام والاهتمام. كانت الزوجة كثيرة الكلام والرجل الصامت البعيد عنها. كان يكفيها أن يهمهم مممممم ما أطيب هذا الطعام.

وكان يكفيها أن يتمتم ممممم ما أجمل رائحة بذلتي بعد الغسيل والكوي. فيأتيها فرح عامر برضاه ويتسارع صوت أساورها وهي تحاصر كتفيه و تلتمسه كمزار مقدس لا يجب ان يمسه الغبار.
وان قال ان رأسه يؤلمه. تهم بعمل مساج له. هنا فقط تجمعها متراصة لعظمة معصمها وتبقيها متألمة هناك تجرح الجلد. ليختفي ويال العجب صوت الأساور بصمت تام.

وان غضبت منه وحزنت لنسيانه عيد زواجهما الذي لم يتذكره يوما. كانت تغطي الأساور بعد أن ترجعها للخلف ولا تراها الا بعد أن يعود اليها الحنين طوعيا بأن كل الرجال ليست رومنسية. وبعد أن يهملها أبي تماما لترضى وحدها.
أبي يطبطب عليها في عيد الام ويجلب لها إسواره جديدة. فتمد يدها بأن يلبسها اياها كأميرة. يلبسها اياها وهو ينظر لنشرة الاخبار. فتنظر معه وتتظاهر ان كل شيء على ما يرام. فقد بررت له كل شيء طالما تذكرها.

ان تصالحت معه عشنا في نعيم بعيدا عن الأساور المرفوعة وان خاصمها. كان رنين الأساور يملأ البيت صباحا ومساء.
أمي اختزلها المجتمع الأبوي مرتين مرة بصفة التبجيل والمبالغة بدورها كأم ومربية وزوجة ومرة حين بخس بقيمتها كونها انجبت فقط البنات ولم تنجب الذكر. ذلك الذكر الذي سيصبح قضيب الام البديل في العائلة كونها مهددة بفقدان مركزها ان لم تنجب ما تزوجت لأجله.

ولكن خوف أمي لم يمنعها من المحاولات في انجاب الذكر وأنجبت أخي، ونالت ثلاث أساور جديدة. لكن تلك الأساور لم تحمي جسدها من الانهيار بعد ثمانية أطفال.

رقدت أمي في المشفى للقيام بعملية مرارة بسيطة.
استيقظت لملمت أساورها التي خرجت من يدها لخسرانها الوزن. لكن انجاب الاطفال وتربيتهم وتحمل مشاق الحياة أضعف جسدها وانهكها. و حين فتحت عيناها وسمعت صوت أبي ابتسمت. سحب يدها وقبل أساورها ضحكت ضحكة لم أرها من قبل ونظرت اليه و خشخشت بأساورها ورمتها بجانبها لآخر مرة ولم تستيقظ.
وانهمر أبي باكيا ثم باكيا لأشهر وظهر كل ذلك الحب فجأة ولم يتوقف أبي عن البكاء. ذلك الرجل الذي لم أراه يبكي يوما. ومرت الآن أربع سنوات ومازال يبكي سراً حين يجمع أساورها. وكأنها السادوماسوشية.

الآن ادرك ماذا فعل المجتمع بأبي ليخفي مشاعره وحبه ويصمت في حضورها وينشف لسانه عن الغزل. وماذا فعل المجتمع بأمي لتظهر كل مشاعرها وتتمسك بأساورها كحل وحيد للسعادة والأمان مختزلة كل أحلامها برجل صامت. و الاكتفاء بحلم رومانسي مع أبي لم يتحقق يوما.
كانت اللحظة المؤلمة ان المجتمع قدم التعازي لأبي بنعوة كتب عليها المربية الفاضلة.
أمي لم تكن المربية فقط أمي كانت الوطن الأرض والكون.
#دارينحسنحليمة
#النسوية


قصة أساور أمي
أساور امي… وصوت أساور أمي عتيقة وأصيلة، لكن لها قصة حرمان وشوق كبير.
تَمسُّك امي بتلك الأساور العتيقة، لم يكن بسبب أنها ذهب أو لحب الزينة. بل كان تمسك بما يقدمه ابي أو بالأحرى بالقليل الذي قدمه أبي، ليس القليل من الذهب والملبس والمأكل بل القليل من العاطفة والحب، وأخاف ان تكون القلة القليلة من النشوة الجنسية. فأمي كباقي الأمهات اللواتي امتهن باحتراف كيف ترضين الزوج وتختزل نفسها في اللقب الأهم الزوجة الصالحة المربية الفاضلة.

لا صباح ولا مساء لا ان مرضت أو خرجت أو بدلت أي ثوب. كانت لتفارقها تلك الأساور. بل لاحظت أنها تحمل معها لغة جسدية خاصة بأمي. تتأرجح بين الغزل والحب والقلق والغضب.

فحين يتأخر أبي تعد أساورها واحدة تلوه الأخرى بهدوء وحيرة مطأطأ الرأس. وحين تتكلم عن أبي لجاراتها كانت تمسكها وتجمعها في يدها الاخرى كرزمة واحدة. وكأنما تشعر بقوة الترابط. وإن جلست أمام أبي ترفع عن كمها لتلتقط كأس الشاي فتنهمر إسواره وراء إسواره ببطيء من أمام عينيه، فيرى كيف تلمع تلك الأساور فوق بشرة مخملية بيضاء.

وان غضبت مني وأرادت صفعي كانت تبعدها للخلف قبل القيام بالصفع، خوفا من أن تلتوي او تنحني تلك الأساور على رأسي "التنح" كما كانت تقول. وإن انتقد أخي أبي أمامها كانت يدها لترتفع لوجهه عاليا ولتسمع ترنيمة صاخبة من أساورها على خده. لا أحد ينتقده. هي فقط من يحق لها انتقاده.

كنت ساذجة حين خجلت من أساور أمي أمام صديقاتي في فترة مراهقتي. لأنها لم تكن "على الموضة" كما وصفتها آنذاك. بل وتجرأت ونقدت زوق أبي امامها. قلت بأنها تحتاج للتجديد وليست مناسبة للعصر الحديث. ولم أفهم سبب تلك الصفعة التي وصلت لوجهي للمرة الأولى قبل أن تسحبها للخلف. وكأنني قلت لها بدلي أبي.

مازلت أتذكر كيف كانت تنتظر عودته في المساء، لتفتح قميصها ثلاثة أزرار فيظهر جمال صدرها ويندمج برطوبة البخار المتصاعد من الحساء الذي تعده له بمحبة مداعبة أحلامها الرومنسية البخارية تظهر رونقا خاصا بتلاصق الأساور. وكأن غزل أمي المسموح الخجول كان يدفق كله في الطعام، وحين تقوم بتنظيف الصحون ترى ابتسامة لا تفارق وجهها وكأنها وصلت لنشوتها الجنسية والروحية بإرضاء معدة أبي. وبقيت أتساءل ولم أسأل أمي، هل أرضاك أبي جنسيا يا حنونة كما أرضيت معدتته، أم أنك قبلت أيضا بفتات الجنس.

كانت أمي تتذكر كل ما يخص أبي. ثيابه وكم قميص لديه وكم ربطة عنق وكم جراب وحذاء وكيف يحب طبخته المفضلة بمزيد من الليمون وكيف يحب الشاي بعد الغداء. والقيلولة بعد الشاي. وعدم مقاطعة نشرته الإخبارية اليومية الساعية بأي من مشاكل الأطفال والطلبات. فكانت تنتظر ليلتفت اليها ويسألها عن رأيها بماذا سيرتدي غدا لتنهض وتجلب نصف ثيابه وتفرشها أمامه معلقة نظرها على عينيه عسى ان تنال تقديرا حميميا ربما لم تنله في السرير.

وحين يعود أبي و يلتفت للأخبار متناسيا أمي. كانت تحول لفت نظره بخشخشة أساور تمررها حين تسحب ثوبها من جانب التلفاز.
لم أفهم الوحدة التي قاستها أمي منتظرة منه الكلام والاهتمام. كانت الزوجة كثيرة الكلام والرجل الصامت البعيد عنها. كان يكفيها أن يهمهم مممممم ما أطيب هذا الطعام.

وكان يكفيها أن يتمتم ممممم ما أجمل رائحة بذلتي بعد الغسيل والكوي. فيأتيها فرح عامر برضاه ويتسارع صوت أساورها وهي تحاصر كتفيه و تلتمسه كمزار مقدس لا يجب ان يمسه الغبار.
وان قال ان رأسه يؤلمه. تهم بعمل مساج له. هنا فقط تجمعها متراصة لعظمة معصمها وتبقيها متألمة هناك تجرح الجلد. ليختفي ويال العجب صوت الأساور بصمت تام.

وان غضبت منه وحزنت لنسيانه عيد زواجهما الذي لم يتذكره يوما. كانت تغطي الأساور بعد أن ترجعها للخلف ولا تراها الا بعد أن يعود اليها الحنين طوعيا بأن كل الرجال ليست رومنسية. وبعد أن يهملها أبي تماما لترضى وحدها.
أبي يطبطب عليها في عيد الام ويجلب لها إسواره جديدة. فتمد يدها بأن يلبسها اياها كأميرة. يلبسها اياها وهو ينظر لنشرة الاخبار. فتنظر معه وتتظاهر ان كل شيء على ما يرام. فقد بررت له كل شيء طالما تذكرها.

ان تصالحت معه عشنا في نعيم بعيدا عن الأساور المرفوعة وان خاصمها. كان رنين الأساور يملأ البيت صباحا ومساء.
أمي اختزلها المجتمع الأبوي مرتين مرة بصفة التبجيل والمبالغة بدورها كأم ومربية وزوجة ومرة حين بخس بقيمتها كونها انجبت فقط البنات ولم تنجب الذكر. ذلك الذكر الذي سيصبح قضيب الام البديل في العائلة كونها مهددة بفقدان مركزها ان لم تنجب ما تزوجت لأجله.

ولكن خوف أمي لم يمنعها من المحاولات في انجاب الذكر وأنجبت أخي، ونالت ثلاث أساور جديدة. لكن تلك الأساور لم تحمي جسدها من الانهيار بعد ثمانية أطفال.

رقدت أمي في المشفى للقيام بعملية مرارة بسيطة.
استيقظت لملمت أساورها التي خرجت من يدها لخسرانها الوزن. لكن انجاب الاطفال وتربيتهم وتحمل مشاق الحياة أضعف جسدها وانهكها. و حين فتحت عيناها وسمعت صوت أبي ابتسمت. سحب يدها وقبل أساورها ضحكت ضحكة لم أرها من قبل ونظرت اليه و خشخشت بأساورها ورمتها بجانبها لآخر مرة ولم تستيقظ.
وانهمر أبي باكيا ثم باكيا لأشهر وظهر كل ذلك الحب فجأة ولم يتوقف أبي عن البكاء. ذلك الرجل الذي لم أراه يبكي يوما. ومرت الآن أربع سنوات ومازال يبكي سراً حين يجمع أساورها. وكأنها السادوماسوشية.

الآن ادرك ماذا فعل المجتمع بأبي ليخفي مشاعره وحبه ويصمت في حضورها وينشف لسانه عن الغزل. وماذا فعل المجتمع بأمي لتظهر كل مشاعرها وتتمسك بأساورها كحل وحيد للسعادة والأمان مختزلة كل أحلامها برجل صامت. و الاكتفاء بحلم رومانسي مع أبي لم يتحقق يوما.
كانت اللحظة المؤلمة ان المجتمع قدم التعازي لأبي بنعوة كتب عليها المربية الفاضلة.
أمي لم تكن المربية فقط أمي كانت الوطن الأرض والكون.
#دارينحسنحليمة
#النسوية


على السوشل ميديا
[elementor-template id=”238″]

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى