حاولت طول عمرى أن أتفهم لماذا يعشق البعض النظام الملكى. لا …


حاولت طول عمرى أن أتفهم لماذا يعشق البعض النظام الملكى. لا أتحدث هنا عن الحاشية والأتباع الذين يخدمون الملوك ويقتاتون من فتات موائدهم، فمن الطبيعى أن يلعق هؤلاء اليد التى تطعمهم. كما أننى لا أتحدث عن الشعوب المتخلفة التى لم تكوّن بعد إحساساً بالمواطنة وكرامة الفرد. بل أتحدث عن قطاع واسع من المواطنين فى بلدان عرفت الديموقراطية على مدى قرون، مثل بريطانيا وهولندا والسويد.

دعنا أولاً نتفحص ما هو الحكم الملكى: النظام فى جوهره هو أن شخص ما يملك السلطة العليا فى بلدك لغير ما سبب سوى أنه ورثها عن أبيه (*). قد يكون تافهاً أو معتوهاً، لكن من حقه أن يكون سيداً عليك وعلى أكثر الناس حكمة وذكاءاً وشجاعة فى شعبه، لأنه ورث البلد بما فيها عن أبيه. حسناً، وكيف حصل عليها أبوه؟ ورثها عن أبيه … وهكذا، إلى أن تصل إلى مؤسس الأسرة الذى حصل عليها بقتل بلطجى آخر كان يمتلكها قبله. هذا هو النظام الملكى فى جوهره وفحواه، مهما زينته بقصور مبهرة وحدائق غناء وعربات مذَهّبة تجرها خيول شهباء.

فى البلاد المتحضرة يعرف الملوك أنفسهم هشاشة وضعهم، فيحولوه إلى إستعراض مسَلّى (ولما لا وأنتم تدفعون التكاليف)، ولا يتدخلون فى شؤون الحكم. أما فى البلاد المتخلفة فهم يأخذونه جدياً ويبترون الرؤوس إذا إقتضى الأمر. فى الزمن الحديث يستعملون لذلك أجهزة الدوله، لكن فى ماضى ليس ببعيد كانوا يفعلون ذلك بأيديهم (السلطان سليمان العثمانى والقيصر الروسى إيڤان الرهيب على سبيل المثال).

هذا هو الجانب السلبي، فما هو الجانب الإيجابي؟ … … لا شيئ! لا يوجد جانب إيجابى! لماذا إذاً هناك من يعشقون النظام الملكى؟ ربما تكمن الإجابة فى القصة التالية: حكى لى أحدهم أن الملك فاروق كانت تصله الإستاكوزا (**) طازجة من پاريس بالطائرة كل يوم. وكانت تبدو على الراوى وهو يحكى هذه المعلومة نشوة تقارب الشبق، وكأنه هو الذى كان يأكل تلك الإستاكوزا. لست من علماء النفس، لكن تفسيرى هو أن من ليس لديه حياةً يعيشها، يحاول أن يعيش فى خياله حياة شخص آخر – فى هذه الحالة حياة ملك تافه يستمتع بملذات الحياة بلا وازع ولا حدود.
_____________________________
*) أو أمه فى بعض البلاد.
**) لا أعرف بالضبط ما هي الإستاكوزا، والراجح أنها سرطان البحر (lobster). وكان الناس يعتقدون أنه أفروديسياك (aphrodisiac)، أى أنه ينشّط القدرة الجنسيه.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version