الحب و الكراهية…


الحب و الكراهية

الحب و الكراهية هي مشاعر لا تخضع للمنطق. لكن البعض يحاول تبريرها و إيهام نفسه أن لها أسباب موضوعية. ها هو شخص يكره جمال عبد الناصر و يعشق الأسرة المالكة – “لماذا يا صاحب؟” “لأن عبد الناصر أقحم مصر فى حروب لا لزوم لها دمرت إقتصادها و ضيعت شبابها. أما العصر الملكي فكان عصر سلام و إزدهار.” “شكراً على التوضيح… لكننا ناس متعلمون و من عادتنا التحقق من الأمور، فدعنا ننظر فى هذه القضية.

حروب عبد الناصر، (و هي ٣ ٠ السويس و اليمن و سيناء،) عاصرناها و نعرفها و لن أتحدث عنها فى هذا التعليق. أما حروب أسرة محمد علي فلا يعرف الناس عنها الكثير. و لذلك سأقدم ملخصاً سريعاً لها –

* حروب محمد علي نفسه. أقحم محمد على مصر فى ٥ حروب، كلها فى خارج مصر، و كلها إختيارية، و كلها فشلت:
1. الحرب اليونانية: إجمالي عدد القتلي المصريين فى تلك الحرب غير معروف (*). لكن معركة مانى وحدها قُتل فيها ٢٥٠٠ جندي مصري. و تم تدمير الأسطول المصري بالكامل فى معركة ناڤارين. (عدد القتلى يقدر بعدة آلاف.) نتيجة الحرب: فشل تام و إستقلال اليونان عن الدولة العثمانية.
2. حرب الشام: إشترك فيها ١٠٠ ألف جندى مصري. عدد القتلى أيضاً غير معروف، لكن حصار عكا وحده مات فيه ٢٠٠٠ قتيل مصري.
3. حرب الحجاز الأولى ١٨١١: كان تعداد الجيش المصري فيها ٨٠٠٠ جندي، و هُزم المصريون فى معركة وادى الصفراء هزيمة قاسية، (عدد الخسائر لم يُعلن.)
4. حرب الحجاز الثانية: أرسل محمد علي مزيداً من العسكر، و إنتهت الحرب بدون نتيجة. لكن المؤرخ ‘بن بشر’ كتب عن معركة القنفذة: “إنهزمت العساكر المصرية و قُتِل منهم مقتلة عظيمة.” و يقال ٨٠٠٠ قتيل. إنتهت حرب الحجاز الثانية سنة ١٨١٥ بإنسحاب الجيش المصري بدون إنجاز أي شيئ.
5. حرب القرم: إشترك فيها جيش مصري عدده ٢٠ ألف مقاتل و إستمرت بعد موت محمد علي حتى ولاية حفيده إسماعيل. كانت حرباً ضروساً دمر فيها الروس الأسطولين العثماني و المصري تماماً. عدد الخسائر غير معروف، لكنه بالتأكيد كبير، نظراً لطول الحرب و تدمير الأساطيل.

* حروب الجيل الثالث، (عباس الأول – سعيد باشا – الخديوى إسماعيل.) أقحم أحفاد محمد على مصر فى ٦ حروب. كلها خارج مصر، و كلها إختيارية، و كلها فشلت :
1. حرب القرم (التى بدأها محمد علي و إستمر فيها عباس و سعيد.)
2. حرب المكسيك: حاربت فرقة مصرية ضمن حملة فرنسية على المكسيك، و لم يعد إلى مصر من تلك الفرقة إلا أقل من نصف العدد.
3. حرب إثيوپيا الأولى. كانت عدواناً لا مبرر له من جانب الخديوى إسماعيل. إنتهت بهزيمة ساحقة للحملة المصرية فى معركة جوندت (Gundet) فى ١٦ نوفمبر ١٨٧٦: . نسبة القتلى كانت حوالي ٥٠٪؜ من الأفراد، بما فى ذلك جميع القادة. إستولى الإثيوبيون على كل سلاح الحملة المصرية، بما فى ذلك كل مدفعية الجيش المصري.
4. حرب إثيوپيا الثانية. إنتهت أيضا بهزيمة الجيش المصرى فى معركة جورع (Gura) ٧ مارس ١٨٧٦ و إنسحابه إلى مصوع بعد خسائر فادحة بلغت حوالي ٥٠٠٠ قتيل. أدت تلك الحرب إلى تفاقم الديون المصرية، و إلى عزل الخديوي إسماعيل، و فى النهاية إلى إحتلال مصر بأكملها لمدة ٧٠ سنه.
5. حرب البلقان: أرسل إسماعيل الجيش المصرى لمحاربة ثورة الصرب. فى المرة الأولى ٧٠٠٠ عسكرى، و فى المرة الثانية ١٢ ألف عسكرى. إنتهت الحرب بمعاهدة بين العثمانيين والصرب، ولم يأخذ أحد رأي المصريين الذين مات منهم آلاف على أرض غريبة فى حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
6. حرب كريت: أرسلت مصر ٥٠٠٠ مقاتل و ١٠ سفن حربيه ليحاربوا و يموتوا على أرض ليست أرضهم ولا يعرفوها. عدد القتلى غير معروف.

* حروب الملك فاروق:
1. حرب فلسطين: هُزم الجيش المصري هزيمة مؤلمة، أرجعها البعض إلى أن الأسلحة كانت فاسدة. خسائر مصر غير معلنة، لكنها تقدر بحوالي ٤٠٠٠ قتيل

الخلاصة: أسرة محمد علي زجت بمصر فى ١٢ حرب خسرتها كلها، وقتل فيها عدد غير معروف من المصريين، لكنه بلا شك يصل إلى عشرات الآلاف، و ذلك فى أزمان كان فيها تعداد مصر أقل من تعدادها سنة ٥٢ بكثير. (عندما إستولى محمد علي على مصر كان عدد السكان حوالي ٤ مليون على أكثر تقدير.) ولم تخسر مصر جزيرة سيناء، بل خسرت وجودها ذاته، وأصبحت مستعمرة بريطانية. بصرف النظر عن رأيك فى نظام يوليو، القول بأن حكم أسرة محمد علي كان عصر سلم و إزدهار لا يستند على أي أساس سوي المشاعر.

فى النهاية – من حقك أن تحب من تشاء و تكره من تشاء، ولا تلزمك لذلك أسباب. لكن لكي تجادل يلزمك أن تعرف الحقائق والأرقام.
_____________________________
*) لم تكن هناك صحافة و لا شهادات ميلاد و لا شهادات وفاة و لا شفافية حكومية.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version