توعية وتثقيف

الطائفية (Sectarianism) -٢…


الطائفية (Sectarianism) -٢

فى التعليق السابق (الطائفية-١) ذكرتُ عابراً أن الكراهية شيئ، والإضطهاد شيئ آخر. سأعود إلى هذه النقطة لأهميتها، و لأن الكثيرين يخلطون بين هذين المفهومين. حكى لى أحد معارفى فى كاليفورنيا عن طفولته فى شبرا (وهي أحد أحياء القاهرة). أقر بأن الأقباط فى مصر كانوا أحياناً يعانون من الإضطهاد، لكنهم كانوا، بدورهم، لا يكنون مودة نحو المسلمين، وعلى هذا الأساس فنحن متعادلين، و”ما حدش يزعل من حد.” لم يكن صديقى هذا هو أول ولا آخر واحد يعبر عن هذا الرأي، ولكنه، كما سنرى، رأي غير سليم.

الولايات المتحدة لها خبرة طويلة فى موضوع التنافر العنصري. وقد حللوا وناقشوا هذا الموضوع حتى أشبعوه تحليلاً و نقاشاً، وتوصلوا إلى فهم واضح للقضية. هذا الفهم ملخصه أن عدم المودة شيئ، والإضطهاد شيئ آخر. لكي يضطهد الطرف ‘A’ الطرف ‘B’ ، لا بد أن تكون لدى ‘A’ سلطة على ‘B’ (*).

‘السلطة’ هنا هي الكلمة المفتاحية. لا بد أن تكون لدى ‘A’ القدرة على إيذاء ‘B’ وتضييق الأمور عليه، ومنعه من الحصول على حقوقه. كون ‘B’ بدوره لا يُكِن مودة نحو ‘A’ لا يعنى شيئاً ولا يبرر شيئاً. الطرف المسيطر هو الذى فى مقدوره أن يمنع الطرف المستضعف من الحصول على وظيفة أو ترقية … إلخ، (وهذا هو الإضطهاد.) أما المستضعف فكل ما يستطيعه هو أن يكره. الكراهية فعل سلبي لا يعود بالضرر إلا على صاحبه. أما الإضطهاد (persecution) فهو فعل له ضحية، و له تداعيات ملموسة يمكن تقييمها.

الكراهية و النفور و الإنعزال وغير ذلك من المشاعر السلبية، لا يعاقب عليها القانون فى الولايات المتحدة، (طالما هي لم تتحول إلى أفعال تؤذى الآخرين.) أما الإضطهاد (بالفعل) فهو جريمة لها عقوبات قد تكون صارمة. (إذا كنتَ قد عملتَ فى منصب إدارى فى الولايات المتحدة، فقد حرصوا على تدريبك على هذه الأمور سنوياً حتى لا تقترف حماقة تصبح الشركة أو المؤسسة مسؤولة عنها.)

ذكرتُ أن الكراهية فى حد ذاتها ليست جريمة فى الولايات المتحدة، وهذا صحيح. لكن إذا إرتكب شخص جنحة أو جريمة، وثبت أن أحد دوافعها كان الكراهية (العنصرية أو الدينية أو الجنسية … إلخ،) فإن العقوبة ستتضاعف. على سبيل المثال – إفترض أن شخصاً تعدى على آخر، وهذه جنحة عقوبتها سنة. إذا ثبت أن الجانى تعدى على المجنى عليه بسبب كراهية عنصرية أو دينية … إلخ، فقد تكون العقوبة سنتين (**).

ماذا عن حرية الرأي و حرية التعبير، (وهي حريات مقدسة عند الأمريكيين يضمنها الدستور)؟ إذا وقف شخص فى مكان عام و سب فى السود أو فى المسلمين أو غيرهم، ألا يستطيع الدفع بأنه يمارس حريته فى التعبير؟ نعم ولا …! (ألم أقل فى المقال السابق إن الموضوع معقد؟!) لكن هذا المقال قد طال، و لا أحد يقرأ المقالات الطويلة. لذلك سأتوقف عند هذا الحد، و سنلتقط الخيوط فى مقالة أخرى إن شاء الله.
_______________________________
*) من المهم ملاحظة أننا لا نتحدث هنا عن أفراد، بل عن مجموعات بشرية (populations) بأكملها. لا يصح مثلاً أن نقول أن رجلاً أسود ضرب رجلاً أبيض، و هذا يعادل الإضطهاد الذى يمارسه البيض عموماً ضد السود.
**) هذه الأرقام ليست حقيقية، والقصد بها التوضيح فقط

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫3 تعليقات

  1. نستطيع أن نقول يا فندم إن الكراهية مجرد إحساس قلبي ، قد يكون بحق أو بغير حق ، والقوانين في العالم بأجمعه لا تعاقب على مجرد الشعور ، ما لم يتم ترجمته إلى أفعال مشينة على أرض الواقع ( أتحدث عن العقاب المفترض قانونا ، لا ما يحدث على أرض الواقع ) .

  2. الموضوع معقد فلسفيا
    حيث يبحث النموذج الفلسفي عن الاتساق

    و لكن لابد ان تكون له فواصل حاده قانونيا نابعه من عقد اجتماعي

    مثلا اذا كان الcannibalism جزء من ثقافه
    هل يمكن حصره في اطارها ( الثقافه ) و اعتبارها من توابعها

    الscapegoating يصبح سهلا في وقت الازمات الشديده
    و تستثمر فيه الفلشبات بكل انواعها
    و يصبح المحتال في اي شيء و من يشكل اقلبه هو سبب كل المشاكل
    الطريف ان الموضوع لا يعرف حدودا لانتهازيته
    منظمه الSS الالمانيه اضطرت الي اعتبار بعض الاوروبيين الشرقيين ( و منهم مسلموا البوسنه و كان يرتدون طرابيشهم ) صالحين لضمهم ل صفوفها عندما عانت تشكيلاتهم العينتين من خسائر كبيره علي الجبهه الشرقيه لان عيونهم زرقاء و شقر و طوال القامه

    هل يمكن فرض المعايير الانساني من اعلي
    في الاتحاد السوفييتي كان الدستور و القانون egalitarian.
    و لكن العنصريه الشعبيه ظلت قاقمه و انفجرت في الاتحاد السوفييتي السابق و شرق اوروبا بعد خلخلة المركز

    بالنسبه الي الصياغه القانونيه ف اوقعتنا في المحظور فيها يسمي ب قانون الازدراء
    و بدلا من ان يكون سيفا مسلطا علي المواهبه
    اصبح اداه للتسلط الديني علي الجمهور

    المزعج في بلادنا هو ان الطروح العنصريه اصبحت تحري علي السنتنا دون تمييز و في اعتياد كامل علي استخدامها

    تلاقي الخاطبه بتقول للزبونه علي عريسها المحتمل
    ده طويل و ابيض !!!

    تلاقي العديد من شتائمنا متعلقه ب اوصاف المراه و القناه و الصاقها بالذكر

    تلاقي دعوه مجامله
    اللهم اشفه
    و اشف المسلمين

    و تلاقي عزاء بيقول
    الله يرحمه
    و يرحم المسلمين !!!!!

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى