لاشك فى أن شريحة كبيرة من المصريين المعاصرين تكره جمال عبد…


لاشك فى أن شريحة كبيرة من المصريين المعاصرين تكره جمال عبد الناصر وذكراه. وهذا شأنهم ولا إعتراض عليه، لكن من المفيد إستكشاف منابع هذه الكراهية وتحليل أسبابها. الأسباب نوعان – نوع ظاهري (وهو ما يقوله الكارهون أنفسهم)، ونوع موضوعي، وهو ما حدث بالفعل. نبدأ بالنوع الأول –
1. كان إنقلابياً لا شرعية له.
2. لا يحق لإبن بوسطجى أن يحكم.
3. خرب البلد.
4. منع مصر من أن تصبح مثل اليابان أو كوريا الجنوبيه.
5. قضى على الديموقراطية الناشئه.
6. عادى أمريكا السعيده وتحالف مع روسيا البائسه. (اللى يمشى مع السعيد يسعد.)

هذا عن الأسباب التى يطرحوها عادةً، أما الأسباب الموضوعيه فهي:
* التأميم – كان قرار تأميم معظم وسائل الإنتاج قراراً خاطئاً لا يأخذ فى الإعتبار طبيعة النفس البشرية، ووضَع قطاعاً واسعاً من الإقتصاد فى أيدى ضباط غير مؤهلين لا بالتعليم ولا بالخبرة. أما توسيع نطاق التأميم ليشمل المتاجر والمصانع الصغيرة فيمكن وصفه بالرعونة وسوء التقدير، وأضاع على ثورة يوليو تأييد البورچوازية الصغيرة التى كانت فى صفها.
* القضاء على الإقطاع – كان هذا من أهم إنجازات الثورة ولا تعاب عليه. الإقطاعيون أنفسهم هاجروا وقضوا بقية حياتهم فى رغد، لكن بعض من لم يكونوا منهم ما زالوا حزانى على مصيرهم (عجائب الدنيا كثيره!).
* القضاء على أمل الحكم الثيوقراطى – وجه عبد الناصر ضربة قاصمة (وإن لم تكن قاضية) للجماعات التى هدفها تحويل مصر إلى دولة ثيوقراطيه، وهو حلم ما زال حيا عند قطاع واسع من المصريين.
* القضاء على النظام الملكى – من غرائب الطبيعة البشرية أن هناك نسبة من الناس تتوق إلى أن يتسيد عليهم ملك يركعون أمامه ويقبلون طرف ثوبه ويبتر رؤوسهم إذا شاء. سمى ذلك مازوخية سياسيه، لكنه أمر واقع.
* مقاطعة العالم الغربى – كانت أوربا وأمريكا تمثلان قمة الرقي والغنى والإقتصاد الإستهلاكى. وكانت البورچوازية المصرية الناشئة تتوق إلى السفر إلى تلك البلدان للمتعة والتبضّع. أما الإتحاد السوڤييتى وأوربا الشرقية فلم تكن تتيح لهم تلك الفرص.
* إعتناق الإشتراكية – كانت الإشتراكية أملاً صعب المنال منذ أيام السيد المسيح. وفشل تطبيقها فى كل مكان تقريباً بإستثناء عدد قليل من البلاد التى بلغت ذروة التقدم الحضارى (مثل السويد وكندا.) وكان فشلها أكثر إيلاماً فى البلاد المتخلفة مثل مصر.

أعود الآن إلى الأسباب الظاهرية: السبب (1) عالجته فى التعليق السابق. السبب (2) أحط من أن نتحدث عنه. السبب (3) غير صحيح: بيّن جلال أمين (وهو أستاذ فى الجامعة الأمريكية قى مصر) أن معدل النمو السنوى فى فترة حكم عبد الناصر كان حوالى ٧%، ولم يرتفع عن ذلك بعد رفع كل القيود. السبب (4): هل كانت مصر ستصبح مثل اليابان؟ ربما! وربما كانت ستصبح مثل اليمن. (ما يجمعها باليمن أقوى وأعمق من ما يجمعها باليابان.) هذه إفتراضات لا يمكن معرفتها. ونفس الكلام يسرى على التجربة الديموقراطيه (السبب 5). هل كانت بوادر الديموقراطية فى مصر ستصبح مثل بريطانيا، أم مثل جمهورية الكونغو الديموقراطيه؟ هذا أمر علمه عند الله. أخيراً، السبب (6) متروك للقارئ الإجابة عليه – هل سعدت مصر بمشيها مع السعيد فى الخمسين سنه الماضيه؟

بهذا نختم تعليقنا الموسمي عن جمال عبد الناصر وكل عام والجميع بخير، وهذا يشمل محبيه وكارهيه.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version