رهان پاسكال (٢)…


رهان پاسكال (٢)

تأمل پاسكال فى قضية الإيمان بمنطق نظرية الإحتمالات ونظرية القرار، وخلص من تأملاته إلى ما صار يعرف ب ‘رهان پاسكال’ (Pascal’s wager) الذى تحدثت عنه فى تعليق سابق. وموجز رهان پاسكال هو أنه فى غياب أية أدله أو براهين، يكون الخيار بين الإيمان أو عدمه هو مسألة مراهنة صرفه. و من تحليل الإحتمالات يبدو أنه من الأربح للإنسان أن يراهن على وجود الجنة والنار ويوم الحساب، و أن يُشكل حياته على هذا الأساس (راجع ‘رهان پاسكال (١)’ )

لكن رهان پاسكال يبدو مقنعاً على السطح فقط. لذلك بادر إلى تفنيده علماء وفلاسفة عظماء مثل لاپلاس (Laplace) وڤولتير (Voltaire) وديدِرو (Diderot) وغيرهم. ومن الطريف أن أهم إعتراض على منطق پاسكال يرتكز على علم اللاهوت ذاته – الإله الذى يملك الجنة والنار يعرف ما فى القلوب، (هكذا أخبرنا أنبياؤه ورسله،) و هو بالتالى يعرف أن قرار پاسكال لم يكن نتيجة لإيمان، وإنما كان قراراً مصلحياً صرفا، أساسه حساب إحتمالات المكسب والخسارة. وهذا فى الديانات الإبراهيمية لا يُحسب من الحسنات ولا يؤخذ فى الإعتبار يوم الحساب الأخير. فى إثنين من الأديان الإبراهيمية الثلاثة هناك نصوص واضحة تشير إلى أن الإيمان أهم من الأعمال فى تقرير المصير يوم القيامة.

كان هذا هو الإعتراض المحوري على فلسفة المراهنة. لكن كانت هناك إعتراضات أخرى – لو كان رهان پاسكال برهاناً كافياً لإثبات عقلانية الإيمان بالمسيحية (مثلاً)، فهو كافى بنفس القدر للإيمان بأي نبي آخر يعد أتباعه بفردوس و يهددهم بجحيم. ولا يحتاج القارئ إلا إلى مراجعة التعليق السابق ليلاحظ أنه لا يشير إلى أية ديانة بعينها إلا فى أمور ليست فى لب الموضوع..

من الإعتراضات الأخرى على رهان پاسكال إعتراض طريف يقول إن أي رهان لا يكون له معنى إلا إذا كان “الطرف الآخر” ملتزماً بدفع الجوائز. و پاسكال لم يقدم أي دليل على وجود “الطرف الآخر” أساساً، ناهيك عن إلتزامه بالدفع. (إحقاقاً لپاسكال، لم يكن إثبات وجود الإله هو موضوعه.)

وأثار الناقدون سؤالاً آخر: أي إله سيتخذ القرار بشأنك يوم الحساب؟ إفترض أنك قضيت عمرك فى خدمة الإله المسيحي وثالوثه المقدس، ثم تبين يوم الحساب أن الذى سيحكم عليك هو الإله اليهودي الذى لا يعترف بالثالوث، أو إله المسلمين الذى يرفض الثالوث ويُدينه. ماذا سيحدث لرهانك فى تلك الحالة؟

بهذا نختم حديثنا عن رهان پاسكال، ونأمل أن نكون قد أوفيناه حقه بذكر ما له وما عليه.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version