رهان پاسكال (Pascal’s Wager)…


رهان پاسكال (Pascal’s Wager)

نبغ العالم بليز پاسكال (Blaise Pascal) وهو بعد فى مقتبل عمره. و على الرغم من أنه لم يعش طويلاً، (مات قبل أن يبلغ الأربعين،) كان له الفضل فى إدخال إضافات هامة إلى علوم الفيزياء والرياضيات، و فى أرساء أسس علوم جديدة تماماً هي علم الإحصاء ونظرية الإحتمالات و نظرية القرار (Decision Theory). فى زمن پاسكال لم تكن هناك حدود واضحة تفصل بين الفلسفة والعلوم الطبيعية، لذلك كان پاسكال أيضا فيلسوفاً و رجل دين كغيره من العلماء فى ذلك الوقت.

تأمل پاسكال فى قضية الإيمان بمنطق نظرية الإحتمالات ونظرية القرار، وخلص من تأملاته إلى ما صار يسمى “رهان پاسكال” وهو موضوع هذا الپوسط. موجز رهان پاسكال هو أنه فى غياب أية أدله أو براهين، يكون الإختيار بين الإيمان أو عدمه هو مسألة مراهنة. و من تحليل الإحتمالات يبدو أنه من الأربح للإنسان أن يراهن على وجود الجنة والنار ويوم الحساب، و أن يُشكل حياته على هذا الأساس. هذا هو الملخص … والآن إلى التفاصيل:

‘هل توجد جنة ونار؟’ نادراً ما يحتاج من نشأ فى الديانات الإبراهيمية أن يجيب على هذا السؤال، فهو فى الغالب يتبع ما تربى عليه. لم يتحدث پاسكال عن هؤلاء، بل إفترض أن السؤال يحتاج إلى إجابة، والإجابة تحتاج إلى قرار. وإعتبر پاسكال أن عناصر القرار هي:
1. ليس هناك سبيل لمعرفة الحقيقة بالمعنى التجريبى أو المنطقى.
2. لا مفر من إختيار ‘نعم’ أو ‘لا’، وليست هناك خيارات أخرى. (الامتناع عن الإختيار يساوى ‘لا’ من وجهة نظر اللاهوت.)
3. فى غياب معلومات موثوق بها يكون الإختيار هو مجرد رهان.
4. السؤال المهم هو: أي المراهنتين أفضل – ‘نعم’ أم ‘لا’؟

هذه هي المعطيات، والآن إلى التحليل: هناك ٤ حالات ممكنة –
1. أنت تراهن على ‘نعم’ … و هناك فعلاً جنة وجهنم
2. أنت تراهن على ‘نعم’ … وفى الحقيقة لا توجد جنة و لا جهنم
3. أنت تراهن على ‘لا’ … و هناك فعلاً جنة وجهنم
4. أنت تراهن على ‘لا’ … و فعلاً لا توجد جنة و لا جهنم

والآن ننظر إلى المكاسب والخسائر فى كل حالة (بنفس الترتيب) –
1. المكسب: نعيم أبدي و ملذات لا تقدر بثمن فى الجنة؛ الخسارة: رفض بعض مباهج الدنيا أثناء الحياة على الأرض (مثل الخمر والزنا …إلخ.)
2. المكسب: لاشيئ؛ الخسارة: رفض بعض مباهج الحياة الدنيا.
3. المكسب: الإستمتاع بملذات الدنيا أثناء الحياة على الأرض؛ الخسارة: عذاب أبدي يفوق الوصف فى بشاعته.
4. المكسب: الإستمتاع بملذات الدنيا أثناء الحياة على الأرض؛ الخسارة: لاشيئ.

فى الحالة الأولى أنت كسبان البريمو. وفى كل الحالات الأخرى أنت إما خسران خسارة مروعة، وإما كسبان مكسبا طفيفاً. لذلك إستخلص پاسكال أن المراهنة على أن هناك جنة ونار، والتصرف على هذا الأساس، هي بلا شك المراهنة الأفضل من وجهة نظر المقامر البحتة، وبغض النظر عن ما إذا كنت تصدق رجال الدين أو لا تصدقهم.

هذه نظرة عصرية لرهان پاسكال، والقارئ يستطيع أن يقرأ كتاباته الأصلية على الإنترنت. هناك أخطاء منطقية ولاهوتية فى تحليل پاسكال لاحظها معاصروه من العلماء والفلاسفة. لكن هذا الپوسط قد أصبح طويلاً، وسنتناول تلك الأخطاء فى تعليق قادم.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version