كتّابمفكرون

“لمحات من التاريخ السياسي للأزهر” 5…


“لمحات من التاريخ السياسي للأزهر” 5
الأزهر في عصر مبارك
———————————-
في عام 1982 عيّن الرئيس مبارك الشيخ (جاد الحق علي جاد الجق) شيخا للأزهر, الرجل كان علي علاقة طيبة بالرئيس, فهو من توسّط له في دخول الكلية الحربية قبل 34 عاما, ورغم حالة الانفتاح الديني وتعدد الجهات التي تتحدث باسم الدين الا أن الأزهر كمؤسسة رسمية ظل تحت سيطرة النظام, ومن خلاله يتحدد دوره السياسي.

وبالفعل كان الأزهر داعما للنظام, الا في بعض القضايا الفرعية التي لم تشكل إزعاجا, مثل معارضة فتوى المفتي التي أجازت أرباح (فوائد) شهادات الاستثمار البنكية, وأصدار بعض الفتاوى المحافظة فيما يتعلق بوضع المرأة.

وفي إطار سعيه للإستقلال, سمح جاد الحق لمجمع البحوث الإسلامية بممارسة الرقابة على الفكر العلماني, وبدأ (حرباً ضد العلمانية), كما كانت هناك حربا خفية بين شيخ الأزهر والمفتي (الشيخ محمد سيد طنطاوي) في حينها, وأصدر بنفسه فتاوى تعارض فتاوى طنطاوي, التي اعتبرها تلبي رغبة الحكومة معارضة للشرع, مثل فتوي فوائد البنوك, ولم تنته هذه الحرب إلا مع وفاة الشيخ جاد الحق في 1996.

شهدت الثمانينات والتسعينات عدة ظواهر رئيسية هامة كان لها أكبر الأثر علي الدور والأداء السياسي للأزهر.

الظاهرة الأولي: هي توسع وانتشار الحركات الإسلامية والقنوات التليفزيونية الدينية ( بدأت من منتصف السبعينات), وتحدي هؤلاء (الإسلامويون) من غير الأزهريين الشرعية الدينية للأزهر بطريقة مباشرة وعلنية, وأصبحت لهم شعبية لا يمكن إغفالها.

الظاهرة الثانية: كانت تصاعد العمليات المسلحة التي تقوم بها الحركات الاسلامية المتطرفة (بدأت أيضا من منتصف السبعينات) ودخول النظام في مواجهة أمنية شديدة ضدهم, والحاجة الي مواجهتهم فكريا ودفعهم الي التراجع أو (المراجعات).

الظاهرة الثالثة: هو تنامي الدور السياسي للإخوان المسلمين منذ أن أطلقت أياديهم بواسطة السادات, وانتشارهم داخل المؤسسات الدستورية, والنقابات المهنية, والجامعات بما فيها جامعة الأزهر, وتطوير التركيب التنظيمي للجماعة والتوسع فيه حتي مستوي القرية والمدينة.

الظاهرة الرابعة: كانت بدء الصحوة التنويرية والعلمانية, علي يد عدد محدود من المثقفين, أصحاب الفكر الحداثي المتطور, ونقدهم للتفسيرات الفقهية القديمة, والدعوة لفصل الدين عن السياسة, وهو ما اعتبره الأزهر تهديدا مباشرا لسلطته السياسية الدينية التي مارسها عبر عدة قرون, بدعم من الأنظمة الحاكمة.

وكنتيجة لهذه الظواهر فقد الأزهر الطبيعة الاحتكارية للدين, وتحوّل إلى هيئة تعددية متنوعة, تتنافس الآن مع علماء دين آخرين في (السوق الدينية), وأصبحت فكرة احتكار الأزهر للتفسير الديني محل جدل.

انعكس ذلك بشكل مباشر علي رجال الأزهر وبدلا من التوحد في مواجهة تلك التحديات, انقسموا فيما بينهم واختلفت أهدافهم وتوجهاتهم.

حاول الشيخ جاد الحق علي جاد الحق إستعادة الاستقلال المسلوب, فقامت السلطة السياسية باستخدام دار الإفتاء كثقل موازن لشيخ الأزهر, وبعد وفاته في 1996, شرعت الدولة في إحتواء الأزهر على نحو أكبر, عبر اختيار شخصية تتماشى مع سياستها العامة, وتعيين شيخ للأزهر يعبر عن مواقف السلطة السياسية, فعيّن المفتى محمد سيد طنطاوي شيخا للأزهر، وهو المعروف عنه مواقفه المؤيدة للنظام, فضلا عن القيام بتحييد الأصوات المعارضة داخل المؤسسة الدينية, وفي مقدمتها جبهة علماء الأزهر حيث تمكن النظام من تقليص دورها إلى مجرد موقع على شبكة الإنترنت.

استخدم الأزهر من أجل محاربة الجماعات الإسلامية المتطرفة, وهو ما وجده علماء الأزهر فرصة جيدة للعودة مرة أخري للساحة العامة, وأصدرت البيانات للدفاع عن ممارسات الحكم, يدافعون فيها عن موقف النظام, والموقف من إقامة الحدود الإسلامية, ويقومون بانتقاد الجماعات الإسلامية المتطرفة, مقابل المزيد من المساحة والحركة في المجال العام, ويذكر أن دوره في ذلك كان هامشيا وغير ذي تأثير فعّال, حيث كان الدور الرئيسي لأمن الدولة, وأجهزة الأمن.

كما قام الأزهر بمهاجمة كل من يدعوا إلى العلمانية والليبرالية وتكفيره, مثلما حدث مع الدكتور فرج فودة, في الندوة التي عقدت بينه وبين الشيخ الغزالي عام 1992, والتي على أثرها تم إغتيال الدكتور فرج فودة بدعوي أنه كافر يريد فصل الدين عن الدولة والسياسة.
وفي معرض الكتاب 1992 قامت لجنة من مجمع البحوث الإسلامية بالتفتيش, وصادرت بنفسها, خمسة كتب لمحمد سعيد العشماوي, وكتاب (قنابل ومصاحف) لعادل حمودة, وكتاب (خلف الحجاب) – موقف الجماعات الإسلامية من قضية المرأة – لسناء المصري.
كما تعرض كتاب (الخطاب والتأويل) لنصر حامد أبوزيد للمصادرة, بقرار من مجمع البحوث الإسلامية في 27/11/2003, وكان قد صدر حكم قضائى بتكفيره وتفريقه عن زوجته ابتهال يونس فى منتصف التسعينيات من القرن الماضى, بدعوي أقامها المحامى نبيه الوحش والشيخ يوسف البدرى, ومنذ ذلك التاريخ ظل منفيّا فى جامعات هولندا, وعجزت أية جامعة عربية عن استقباله عضوا فى كادرها التدريسى.

تغير حال مشيخة الأزهر إلى النقيض في عهد الشيخ محمد سيد طنطاوي, فعرف بمجاراته للسلطة السياسية في مواقفها, وتراجعه عن أي رأي أو فتوى كان قد أصدرها, إذا لم تلق قبولا لدى السلطة وكثيراً ما كان يصرّح (طنطاوي) أنه موظف في الدولة.

وجهت للشيخ طنطاوي انتقادات شديدة -خاصة من وسائل الإعلام- وصلت إلى حد المطالبة بعزله, لإتخاذه مواقف أعادت طرح سؤال استقلالية مشيخة الأزهر عن السلطة, ومن أبرز تلك المواقف:

إصداره فتوى تدعو لـ”جلد صحفيين” في 8 أكتوبر 2007 بسبب نشرهم أخبارا تتحدث عن مرض الرئيس حسني مبارك..

وسكوته عن تزوير الانتخابات والتعذيب في أقسام الشرطة وقضايا أخري.

وفي يوليو 2009 شارك شيخ الأزهر في مؤتمر حوار الأديان الذي عقد بكازاخستان وشاركه الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز الجلوس علي المنصة بعد أن تبادلا التحية مصافحة مما أثار موجة غضب داخل مصر وصلت لحد المطالبة بعزله.

وقد اطلق عليه معارضيه “إنه ارتدى قبعة الأمن وخلع ثياب المشيخة”.

بوفاة الشيخ محمد سيد طنطاوي في 19 مارس 2010، اختير الدكتور أحمد الطيب، الذي كان عضواً في لجنة سياسات الحزب الوطني, شيخاً للأزهر خلفاً لطنطاوي, وقد حث (الطيب) الخطي نحو لمّ شمل المؤسسات الدينية تحت قيادة مشيخة الأزهر.

وللحديث بقية……
#بالعقل_والهداوة

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Sameer Zain-Elabideen سمير زين العابدين

خريج الكلية الحربية فبراير 1969, أعمل حاليا في النظر حولي وأشياء أخري, عقلي هو إمامي ورئيسي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى