كتّابمفكرون

“متي نتجاوز الحكم الديني؟”…


“متي نتجاوز الحكم الديني؟”
ان أولي خطوات التنوير تقتضي أن نواجه أنفسنا أولا, وندع النفاق جانبا, ونعترف أنه لا فرق بين الإسلام الذي نمارسه في الحكم من خلال مواد الدستور ووصاية الأزهر وقوانين الإزدراء … الخ, والإسلام هو الحل أو “الإسلام السياسي” الذي ندّعي أنه غريب, يسيء أول ما يسيء الي الاسلام ذاته.
هذه مقولة باطلة, فمنذ اللحظات الأولي في يثرب, وابتداءً ببدر وما تلاها من غزوات ثم الحروب التي سميت تدليسا بحروب الردة, والحملات المسلحة علي مناطق الجوار, التي امتدت لتشمل مناطق أكثر بعدا, كلها لم يكن الهدف منها الّا إنشاء ودعم دولة إسلامية كانت ارهاصاتها الأولي في يثرب.
ان قراءة التاريخ بحيادية, ودون تعصب, تضعنا أمام حقيقة جليّة, مفادها أن تلك الحملات لم تهدف الي نشر الاسلام بقدر ما كانت تهدف الي توسيع الامبراطورية الوليدة, علي غرار ما سبقها من امبراطوريات.
واذا كان الدين عقيدة مكانها العقل فما الحاجة الي كل هذا العنف والقتل والغنائم, ما الحاجة أصلا الي السلاح, الا اذا كان الهدف هو الاستعمار والحكم والسيطرة ونهب الخيرات؟
ما علاقة الدين بالجزية والاسترقاق واستعباد الناس والتعالي عليهم والحط من قدرهم؟.
عند مدّعي العلم لن تجد ردا سوي أن تلك هي أحكام الله, وتلك هي شريعته, والحقيقة أنها أحكامهم هم وشريعتهم هم التي جردت الدين من جوهره, وحرمت الإنسانية في هذه المنطقة من العيش في أمان, وبسلام مع النفس ومع الخالق الذي يجب أن يكون هو الأكبر الأعظم الذي يستحيل أن تكون تلك هي غاية رسالاته.
الأمر اذن يضعنا أمام نظام حكم نشأ منذ زمن بعيد, لم يختلف عن باقي الامبراطوريات السائدة في حينها, ولكنه لم يصبه ما أصاب بقية أنظمة الحكم من تطور ضخم, استغرق قرونا طويلة, مدعما بالعلم والتقدم والرقي, الي أن أمكن تنحية الدين عن أمور السياسة والحكم.
والكارثة أن ما زال هناك من يقاوم الحداثة, وينادي بتطبيقه كما كان في صورته الأولية البدائية, وهي أمور لا تقاوم, لإرتباطها الجذري بالطبيعة الإنسانيه القائمة علي التغيّر, فيسيء لأصل الدين ونري الناس يخرجون منه أفواجا.
لقد تجاوز التاريخ الحكم الديني منذ قرون عدة, وتطورت أساليب الحكم وأنظمته, وصار لها أسس ومباديء وعلوم وآثار ايجابية ملموسة علي حياة الناس, وظهرت الحاجة الشديدة الي فصل الدين عن السياسة, الذي هو في صالح الدين قبل أن يكون في صالح السياسة.
في صالح الدين حيث يطهره من أطماع الحكم ومن ثم يطهره مما يسيء الي الانسانية وقيمها الرفيعة, ولتتجسد من خلاله علاقة روحانية نقية خاصة بين الانسان وربه, بعيدا عن مساوئ الحكم وسوءات السياسة.
وفي صالح الناس حيث يساوي بينهم كافة, ويعترف بحقوقهم في الحياة الحرة, والعيش في سلام, ويوفر لهم إمكانية التقدم واللحاق بركب الحضارة الإنسانية, بعد أن تخلفنا عنها قرون طويلة.
(إعادة نشر)
#بالعقل_والهداوة

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Sameer Zain-Elabideen سمير زين العابدين

خريج الكلية الحربية فبراير 1969, أعمل حاليا في النظر حولي وأشياء أخري, عقلي هو إمامي ورئيسي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى