كتّاب

بحبك يا لبنان…


بحبك يا لبنان
عندما تزور بيروت يدهشك حب الناس للحياة وللجمال وتفننهم فى أصناف الطعام والشراب، واستجابتهم السريعة للقفشة والنكتة، واحترامهم للغرباء، .. ما إن تستوقف فتاة جميلة وفاتنة وتسألها: أين شارع كذا؟ فإنها: تبتسم وتروح بكل أريحية تشرح لك وفى خلال دقيقة واحدة من الشرح تكون قد قالت لك: يا عيونى يا حياتى خمس او ست مرات، وقد تصحبك بنفسها لتراه، وعندما تقول لها: متشكر. فإنها تبتسم وتشير بيدها قائلة: “تقبرنى”
ومنذ منتصف الستينيات راحت فيروز تتربع على عرش قلوب المراهقين المصريين فأغانيها الرقيقة والسريعة والقصيرة والحساسة تلبى كل حالات العشق والغرام ومواقف العتب واللوم والخصام والوله، ومع مطلع السبعينيات لم يعد هناك مصرى لا يحب فيروز الذى يقول عبد الوهاب عن صوتها: إنه عطية السماء،
ومع حبنا لفيروز أحببنا لبنان ورحنا نعرف تاريخه وناسه وطوائفة لنعرف كيف أوت أشجار مدينة جبيل العريقة تابوت اوزوريس وكيف التجأ اليها سنوحى المصرى، وفى إبريل 1975، قامت فى لبنان الجميل حربا أهلية طاحنة وضروس، راح القناصة من فوق البنايات يقتلون الناس على عقائدهم وهوياتهم وأسمائهم، واختفت من الشوارع النقاهة وما تبعته من موسيقى وغناء ومظاهر البهجة لتمتلئ بالحواجز الأسمنتية وفوارغ الطلقات. وتحولت الشوارع الهادئة التى شاهدت عناق المحبين خلسة تتحول إلى ثكنات عسكرية مخيفة، قد تأت للمار فيها رصاصة فى رأسة وهو لا يعلم لماذا؟ كما قالت لى إحدى صديقاتى التى فقدت رفيقها هنا ذات يوم
وبعد أكثر من سنة أكتوبر 1976، كانت حفلة فيروز فى حديقة الأندلس فى القاهرة، حضرتها معزوما بصحبة أخى الأكبر، ورحنا طبعا لنشاهد فيروز التى سكنتنا جميعا، وبدأت فيروز حفلتها بأغنيتها الرائعة “مصر عادت شمسك الذهب” وغنت من روائع جدنا العظيم “أهو دا اللى صار” .. وفى منتصف الحفلة راحت صوت الكمان وكانه نواح يأت من الغيب وعندما انطلق صوت فيروز وهو يصيح بقوة: “بحبك يا لبنان يا وطنى بحبك” حتى انطلق بكاءنا وصراخنا عاليا يشق الفضاء وكأنة يستمطر الرحمة على البلد الجميل واللعنات على القتلة
وكلى ثقة فيما قالت فيروز: “قلتلن بلدنا عم يخلق جديد لبنان الكرامة والشعب العنيد”

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى