تمثل الضفة الغربية ٢٢% من فلسطين التاريخية. اقتطع الاستيطان منها حوالي 58% حتى الآن.
لا تثار هذه القضية على المحافل الدولية في أوقات السلم، فلا وجود للوبي فلسطيني فاعل، لا على المستوى العربي ولا الدولي. ليس للعرب لوبي فاعل في أوروبا وأميركا، تحاول كل دولة استخدام قدراتها الفردية لصالح الطموحات الفردية لنظامها: التسلح ، دعم قدرات التجسس الداخلي، وتغطية مشروعية النظام السياسية.
من وقت لآخر يفتعل الفلسطينيون المحاصرون مواجهات مسلحة للفت الانتباه. حينذاك تقول الدول الكبرى: لا بد من حل الدولتين، ولكن لنقض على الإرهابيين أولاً. ثم تترك فلسطين لوحدها لتواجه واحدا ً من أسوأ الأنظمة السياسية في التاريخ، منظومة حكم اجتمع لديها كتاب يدعو في ٥% من نصوصه علانية إلى سحق الأغيار (وفقاً لمسح قامت به دالة ذكاء اصطناعي)، قوة نووية، غطاء عسكري وسياسي من كل الأطراف الغربية، وقادة سياسيون يرون السلم والتفاوض إهانة لرغبات الرب..
كانت الأمم المتحدة تجمعا ل ٥٦ دولة عشية الاعتراف بدولة إسرائيل. منذ الوقت ذلك برزت إلى الوجود حوالي ١٦٠ دولة عدا فلسطين.
نسبة كبيرة من تلك “الدول الجديدة” نالت استقلالها بعد حرب تحرر وطني ضد مستعمر أوروبي. لا يوجد مثال واحد ل”حرب تقرير مصير” لم ينعتها الأوروبيون بالإرهاب.
كل حرب استقلال هي عملية عنيفة، وتسمح التعريفات الدولية لفكرة “تقرير المصير” باستخدام كل الوسائل في سبيل ذلك، وتترك الباب مفتوحاً. ما فعله اليونانيون والفرنسيون في مواجهة الاحتلال النازي يمكن عده إرهاباً إذا ما قررنا اعتبار النازية بلداً مسالماً يتعرض للاعتداء، حد تعبير هتلر في خطبه.
تخلى العرب عن فلسطين، حتى إن سلطة رام الله باتت تسلم جزء من رواتب موظفيها على شكل قسائم ديون. هذا ما سمعته منهم في رام الله في أيلول الماضي. انشغل العرب، دولاً ومجتمعات، عن الحق الفلسطيني وتركوا المسجونين بين الجدران الإسمنتية العملاقة ليواجهوا موتاً بطيئاً، لوناً من الموت يأتي على الكرامة أولاً قبل أن يبلغ العظم.
من أوروبا نسمع الصوت العالي قادماً من إيرلندا، الدولة التي تدرك الفرق بين الإرهاب والنضال أكثر من غيرها. فقد خاضت، بين عامي ١٩١٦-١٩٢١ مواجهات مفتوحة ضد المحتل الإنجليزي. استهدفت مقاهيه، مركباته، فرقه المدنية الميدانية، مصانعه، ومتاجره. كما استهدفت الشرطة وأفرادها في منازلهم. استعرض المؤرخ جوزيف كونيل في كتابه The Terror War يوميات تلك المواجهات. وُصف الثوار الإيرلنديون بالإرهاب والحيوانات، ومنحت بريطانيا نفسها الحق في فعل كل شيء حيالهم. بحسب كونيل فقد ردد الجنرالات مراراً أن الشعب الإيرلندي يوفر الدعم والغطاء لجماعة بلاك آند تانز (الثوار) وأن عليه أن يتفهم ما سيحل به. كان جنود بريطانيا يأخذون النساء إلى الشوارع وينزعون شعر رؤوسهن أمام الناس. وكان الثوار الإيرلنديون يأخذون الرجل البريطاني من بيته، يرسلون من يحضر والدته، ثم يفرغون الرصاص في رأسه أمام عينيها.
حصلت إيرلندا على استقلالها بعد نضال مستدام كان العنف سمته الأسمى. صارت إلى دولة تناهض جرائم الإبادة، وبقيت بريطانيا على حالها، تدعم جرائم الإبادة وتغطي كل ظواهر الإجرام السياسي في عالمها.
لا يملك الفلسطينيون لوبيها يحرس حقوقهم، لا تعقد مؤتمرات في الفن والأدب لتغطية المسألة الفلسطينية إلا لماماً.
في سبتمبر الماضي، قبل الطوفان، أقامت جامعة فيلاديلفيا مهرجانا ثقافياً بعنوان “فلسطين تكتب”. دعي إلى المهرجان عشرات الفنانين والكتاب الفلسطينيون. فكرة المؤتمر لم تمر بسلام، أثارت جدلاً ونقاشاً وغضباً على مستويات مختلفة. بالنسبة للصهيونية الأميركية فلا وجود لفلسطين، ومن اللائق أن لا يتذكر أحد هذا الاسم. الجامعة همست هنا وهناك قائلة إن عدداً من داعميها هددوا بقطع مواردها المالية. جرى النقاش حول فكرة مبدئية: ما هو فلسطيني هو عدو للسامية من حيث المبدأ. غير أن المؤتمر شق طريقه، وكان فريداً من نوعه في تلك القارة التي لا تحب الماضي، ويقلقها الماضي.
صار الوقت ملحّاً أكثر من أي فاصلة تاريخية سابقة لصناعة لوبي عابر للقارات، يستخدم القدرات لصالح ما هو حق.
صحيح أن اليهود يملكون 30% من سوق الأوراق المالية في كندا، وأن 30-40% من ملياديرات أميركا من اليهود، بحسب فوربيس، وأنهم شكلوا في العام 1910 (قبل قرن من الآن) حوالي ٣٠% من طلبة جامعة هارفارد، معمل القادة.. إلا أن العالم المسلم يملك قدراته. فهو ليس وحسب ربع البشرية، وثلثا الطاقة، وثاني أقوى ديانة بعد الكاثوليكية، ويطل على أهم البحار والمضايق، ويشكل سوقاً كبرى “الغرب”، وبمقدوره أن يضغط على أزرار اللعبة الجديدة “انقسام العالم إلى أخيار وأشرار” على هامش المسألة الأوكرانية.
الغرب مأزوم، وقد علمنا التاريخ أن الإمبراطوريات المتلاشية تثير العديد من المشاكل للتذكير بماضيها.
م.غ
يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات
