كتّاب

عمر النهمي…


عمر النهمي
يكتب لأغنية راعي الريح
..
عزيزي القارئَ المحبَ للشعر
اخرجْ ديوانَ اغنيةِ راعي الريح وضعه امامك
بإمكانكَ بعد أن تضعَ هذا الديوان َ امامَكَ
ان تدخلَ يدَكَ بين غلافيهِ
تماماً كما يُدْخِلُ لاعبُ الخفةِ يَدَهُ في صندوقِهِ السحري
لتُخْرِج َمنهُ عصفافيراً مئايةً
ونوافيراً زجاجيةً
وعرائسَ سكر
وسجائرَ كوبية
وعناقيدَ عنب
وسلالَ لوز
وعلبَ سكاكر

ادخلْ يدَكَ في هذا الديوانِ
والتقطْ قمراً يتدلى من على هذا السطرِ ثم ارتديهِ قبعةً

ولتقطفْ تفاحةً من على غصنِ شجرةٍ باسقةٍ في ذاكَ السطرِ
وقدمها لطفلٍ نازحٍ يلعبُ الوقلَ في حقلِ ألغامٍ بينَ ساحتي معركة

اقطفْ غيمةً عالقةً في احدى زوايا صفحاتِهِ
واعصِرها كعنقودِ عنبٍ في فَمِك
ورددْ اللهَ الله حد الثمالةِ

خذ من اخرِ الفهرسِ صندوقَ اغاني وضعْهُ على احدِ ارصفةِ البلاد
افتَحْهُ
ودعْ المارةَ المثقلةَ ضهورهِم بهمومِ الحياةِ
يرقصون
حدَ السقوطِ ارضاً
ولينبتَ الريشُ بعدها في خواصرِهِمْ
حدَ الارتفاعِ والتحليقِ وراءَ المسافاتِ

صدقني
بإمكانكَ ان تمدَ يدَكَ داخلَ هذا الديوانِ
تُخْرِجُهَا و ملئُ راحتِها بلابلُ وسنابلُ وقوافلُ

بلابلٌ كانتْ تنسجُ اعشاشَها في الصفحةِ الأولى
وسنابلٌ كانت توزعُ حباتِ قمحِها الذهبيةَ على عصافيرِ الفجرِ في الصفحةِ السابعةِ

وقوافلُ اطفالٍ
كان بعضُهم يشدون سطراً من طرفيهِ
لممارسةِ لعبةِ شدِ الحبلِ في الصفحةِ العاشرةِ

ستجدُ ايضاً اطفالاًً آخرين كانوا يركضون وراءَ الفراشاتِ من الصفحةِ العشرين حتى الصفحة الأربعين
كما ستجدُ صبيةً آخرين يمارسون لعبةَ الغميضةِ وراءَ الكلماتِ في الصفحةِ قبلِ الاخيرة
وصبايا يجمعن العرائسَ والخرزَ الملونةَ ودبابيسَ الشعرِ التي خبئها الشاعرُ خلفَ السطورِ وتحتَ الحروفِ وما بين الكلمات

صدقني

بمجرد أن تُخْرِج َيدَكَ
سترى طوابيراً من الثوارِ يسيرون في خطوطِ راحتِها وعروقِها المتعرجةِ
حاملين لافتاتِ الحريةِ عالياً وهم يرددون هتافاتِ النضالِ بصوتٍ واحدٍ ككتيبةِ الفرسانِ

ستجدُ فيالقَ الأبطالِ الشهداءِ محتشدين ملئَ يدِكَ
ابتداءً من عبد الرقيب عبد الوهاب وعلي عبد المغني والقردعي
مروراً بالسلالِ والعواضي والزبيري
وانتهاءً بالحمادي والشدادي وعبد الغني شعلان
يخططونَ لإعلانِ ثورة
يكتبونَ في يدِكَ الرموزَ والشفراتِ السريةَ ويرسمونَ خرائطَ الهجوم
يتسلقونَ اصابعَكَ
ليرفعوا علمَ البلادِ عالياً بقبضاتِهم اليمنى المخضبةِ كالحناءِ بالدمِ وتراب ِالوطن
وتلوحُ قبضاتُهم اليسرى
بالمشاعلِ الموقدةِ من شرارةِ الجمهوريةِ
في وجهِ الخفافيشِ القادمةِ من كهوفِ الظلام

صدقني
ستشعرُ بمياهِ الأنهارِ وهي تسيلُ من بينِ اصابِعِكَ وكأنكَ غمسْتَ يدَكَ في الجنةِ لا في ديوانِ شعر

سترى أسرابَ النوارسِ البيضاءِ تخرجُ من تحتِ اضافِرِكَ والعشبُ الاخضرُ يطلعُ من مساماتِ جلدِك

ما عليكَ عزيزي القارئ
إلا أن تحرِكَ يدَكَ بداخلِ هذا الديوانِ فقط

فإن كنتَ وحيداً ستجد رفيقةً
اجمل َمن تلكَ التي طلبَها يوماً خيالُك
ستجدها في انتظِارِكَ جالسةً على حافةِ احدِ السطورِ
واضعةً ساقِ على ساقٍ
وتحركُ قدمَها العاريةَ في ينبوعٍ يتدفقُ من الصفحةِ الأولى ويصبُ في الصفحةِ الاخيرةِ
على عنقِها عقدٌ من نجومٍ وكواكبٍ
وبيدِها عنقودُ عنب
قَطَفَتْهُ من على عنوانِ قصيدةٍ غزليةٍ
لتعصِرَهُ نبيذاً وقلبُكَ القدح

وان كنتَ حزيناً ستجدُ منديلَ حريرٍ لدموعِك
معلقاً على ألفٍ ممدوةٍ في احدى القصائدِ الثوريةِ

ستلمحُ هنا اغنيةً لها يد
يدٌ تمتدُ نحوَكَ من بينِ علاماتِ الترقيم
يدٌ لا تعرفُ فعلَ شيٍ غيرَ التربيتِ على كتفِكَ الذي لم يعرفْ ابداً
سوى جلدِ سياطِ الطغاةِ
وحملِ حقائبِ السفرِ
ورفعِ صخورِ الخيبةِ

إن كنتَ منفياً ستجد فيه الافَ الاوطانِ القريبةِ
وإن كنتَ مفارقاً ستجد الافَ الاحضانِ الدافئةِ

جربوا فعل ذلكَ وستجدونَ انَّي لا أبالغ

قرأتُ هذا الديوانَ عشراتِ المراتِ
كلُ شيءٍ فيهِ مختلفٌ
فالعالمُ الذي خلقَهُ عامرٌ على اوراقِهِ
.مشيدُ بالدهشةِ
مسورٌ بالجنونِ
مسقوفٌ بالسحرِ
ومؤثثٌ بالكمالِ

العيونُ هنا واسعةٌ كاساورَ في معصمِ امرأةٍ حسناءٍ في باديةِ الجوف
صافيةٌ كمياهِ الخلجانِ في جزيرةِ سقطرى
الشفاهُ هنا مرسومةٌ بعنايةٍ كنقوشِ المعابدِ السبأيةِ القديمةِ
معجونةٌ بدمِ الزبيبِ الخولاني
مدهونةٌ ببريقِ شموسِ القرى

نشيدُ البلادِ هنا معزوفٌ على شرايينِ ثوارِ سبتمبر وفبراير

الارغفةُ هنا مطحونةٌ من سنابلِ السماء
معجونةٌ بمياهِ الاحداق
مخبوزةٌ على نارِ الحنين موضوعةٌ في اطباقِ الخيال

المرايا هنا تخزنُ في ذاكرتِها ملامحَ العشاق
جميعِ العشاق عبر العصور
حتى ملامِحُكَ انت ستجدها إذا امعنْتَ

الفراشاتُ هنا لا تتوقفُ عن الطيرانِ
وطيورُ الكناري لا تتوقفُ عن نقرِ زجاجِ السماءِ
لتمطرَ موسيقى واغاني
الغيومُ هنا من عطر
والاشجارُ من سكر
حتى أواني الزهرِ مصنوعةٌ من قطرات ِالندى

ستجدُ هنا حلوى غزلِ البناتِ
وهي تذوبُ في خيالِ صبيٍ صغير
صبيٍ يبيعُ المرارةَ في شوارعِ الحزنِ الكثيرةِ في بلادِك
والمممتدةِ من حرازٍ حتى شرعب

ستجدُ هنا
خاتمَ عاشقةٍ من العدين
مرهوناً لدى بائعةِ مشاقرٍ من صبر
لتبتاعَ لحبيبِها الشرعبي العائدِ من ساحةِ المعركةِ في مأرب
باقةَ وردٍ وعلاقيةَ قاتٍ وشريطَ اسبرين
في يومِ عيدِ ميلادِهِ المبتورِ
كقدمِه

ستجدُ هنا حمامةً تصلي على انقاضِ مأذنةٍ في دماج
وقطةً تشاركُ عاشقاً مفطورَ الفؤادِ
كأسَ الشاي العدنيِ بمقهىً عتيقٍ في الشيخِ عثمان

ستجدُ هنا المقاهيَ المقفلةَ بسلاسلِ المعتمينِ في صنعاء
وحولَها يقفُ الرفاقُ الذينَ بعثرتهُمُ الايامُ على امتدادِ خارطةِ العالمِ
حاملينَ عقودَ الفلِ اللحجي
واغصانَ القاتِ الارحبي
يتمايلون على ملالاتِ نجيبة عبد الله
ويرقصونَ على ايقاعِ اغاني فيصل علوى
ويهزونَ رؤوسَهم كالصوفةِ على الحانِ علي السمة

ستجد هنا بلادَكَ الممزقةَ
تماماً كقميصِ صبيٍ نازحٍ في مخيمِ الجفينة
و تلميذةً من مدرسةٍ مهجورةٍ أعلى جبالِ ريمةَ البعيدةِ
وهي تحاولُ ترقيعَها بشعرِ جدائلِها البُنيةِ

ستجد هنا أغاني شعبيةً
كانت ترفرفُ في ذاكرةِ الشابِ الغريبِ كطائراتٍ ورقيةٍ ملونة
لكنَ المنفى حوَّلَها إلى ندوبٍ سوداء
وستجدُ بجانبِه فتاةً تحولُ اصابعَها المجروحةَ من جمعِ الحطب
إلى ضماداتٍ
تضعها برفقٍ على صدرِهِ
فيصبحُ قلبهُ برتقالة

ستجدُ هنا تيجاناً مرصعةً بالجواهر
وقدْ تحولتْ مقاصلاً على رؤوسِ الطغاةِ
ومشانقَِ طغاةٍ
وقد تحولتْ إلى ضفائر شقراء حول اعناقِ الثوار

ستجدُ هنا أناشيداً وطنيةً واغاني حبٍ لطالما اردتَ ترنيمها
لكن اصابعَ الكهنةِ حشرتها في حنجرتِك فلم تستطع اخراجَها

ستجد هنا رسائلَ حبٍ لطالما حاولْتَ كتابتَها
لكن انيابَ كلابِ الحراسةِ عضتْ اصابعَك حينِها
وبياداتِ العساكرِ حطمتْ اقلامَك
فتركتَها حبيسةً في خيالِك

ستجد هنا شبابيكاً مفتوحةً
لطالما تاقت عصافيرُ قلبِك إلى دخولِها
لتحطَ على كتفِ من احببتَها وهي تمشط شعرَها المحنى
لكن ريحَ القبيلةِ اوصدتْها بوجهِك
فتساقطتْ اوراقُك كشجرةٍ نحيلةٍ عند السياج

ستجد هنا هتافاتِك التي نسيتها
وهي ترتفعُ عالياً كالنسر الجمهوري
هتافاتِك التي اطلقتها ذات غضب في الهواء
لكن بنادقَ العسسِ اغتالتها قبل ان تجتاز اسوارِ قصرِ الحاكم

ستجد هنا بلاداً ناعمةً كوسادةٍ من ريشِ النعام
بلادا لرأسِك المحشوِ بضجيجِ الطائراتِ الحربيةِ المفخخِ بدوي الصواريخِ المكتظِ بانفجاراتِ الالغام وبكاءِ الاطفال وصرخاتِ الضباع
بلاداً رقيقةً كفقاعةِ ماء
لراسِك الاثقلِ من صخرةِ سيزيف
بلاداً تركتها خلفَك وقد حولها العائدون من ذاكرة المقابر والهلاك
إلى طبق رمادٍ وجثث
ووسادةً من شوكِ طلحِ الجبالِ المقفرةِ في صعدة

ستجد هنا احلامكَ طفولتَك المنسيةَ
. معلقةً على جدرانِ ناطحاتِ سحابِ حضرموت َ الطينية
كصورةٍ بالابيضِ والاسودِ لعائلةٍ عدنيةٍ سعيدة
مبروزةٍ بدموعِ الحنين
ومطمورةٍ بغبارِ السنين

ستجد هنا ذكرياتِك الخاليةَ
والتي دفنتَها في رمالِ سواحلِ المخا ورحلتَ
وقد نبتَتْ من مقابرِ الذاكرةِ فجأةً …كنخيلِ شبوةَ العالية

ستجد هنا ذاتكَ التي اضعتَها في زحمةِ العمر
وقد تمثلَتْ امامَك على هيئةِ جدِك الملكِ كرب أيل

ستجدُ روحَك التي القتْها الحربُ كشمعةٍ في فمِ الريح
وقد توهجتْ كقناديلِ زيتٍ على مداخلِ البيوتِ القديمةِ في تريم

ستجد هنا عناقيدَ العنبِ المتدليةِ من اغصانِ بني حشيش
وهي تتزاحمُ امامَ افواهِ النازحين في الدريهمي

ستجدُ هنا دموعَ امَ شهيدٍ من تعز
تكفكفها طفلةٌ يتيمةٌ تبيعُ المناديلَ في احدِ اسواقِ يريم

ستجدُ هنا سنابلَ تهامية
وهي تتراقصُ على صحنِ اسرةٍ جائعةٍ في مخيمٍ مهترئٍ في ابين

ستجدُ هنا ضحكةَ راعيةٍ من ذمار
وهي تسافرُ كالحمامةِ من اذنِ اسيرٍ إلى اذن اسير
في سجونِ عمران

ستجدُ مواويلَ فلاحةٍ في اوديِة عتمة
وهي تنسابُ كساقيةٍ على مسامعِ رجلٍ تلقى للتوِ خبرَ وفاةِ صغاره
اثرَ غارةٍ في حجة

ستجدُ هنا نقوشَ لمسندِ اعمدةِ اوام في مأرب
مرسومةً بالحناءِ على ذراعِ فتاةٍ قمحية
تزفُ إلى كوخِ زوجِها المصنوعِ من العسفِ والطينِ في باجل

ستجدُ هنا أعوادَ الايسكريمِ في عربةِ بائعٍ متجولٍ أمامَ مدرسةٍ في اب
محمولةً في ايدي الصبيةِ النازحين تحتَ سياطِ الشمسِ اللاذعةِ في حيس

ستجد هنا اسماكَ سقطرى النادرةَ
وهيَ تسبحُ في جرارِ الماءِ المبخرِ وراءَ نوافذِ الخشبِ في منازلِ صنعاءِ القديمة

وطيورَ جزيرةِ كمران الملونةَ وهي تعششُ على قبابِ الجوامعِ الاثريةِ في زبيد

ستجدُ هنا غبارَ المتارسِ في مأرب ونهم والضالع
مكدساً على كتفِ عاملِ بناءٍ في يافع

ستجدُ حفنةً من ترابِ مزارعِ المانجو في تعز
عالقةً في شقوقِ قدمِ فلاحٍ اسمر
يحصدُ محصولَ الذرةِ في حقلِهِ بوصاب

ستجدُ هنا اليمنَ من اقصاها إلى اقصاها وهي تحتشدُ من اولِ سطرٍ إلى اخرِ فاصلةٍ
بشعبِها وصحاريها وجبالِها وانهارهِا وسماواتِها وحاراتِها

ستجدُ روابيها متدرجةً في الغلافِ
وسحابَها ساريةً غاديةً في الزوايا
احياءَها الشعبيةَ تتقاطعُ مع السطورِ
والسياراتِ في شوارعِها المزدحمةِ تبحثُ عن طرقٍ بديلةٍ من خلالِ القوافي
وسواحلَها توزعُ المحارَ على المعاني الجائعةِ في القصيدة
حباتِ بنِها تزاحمُ النقاطَ على الحروفِ
ولافتاتِ مقاهيها العتيقةِ معلقةً بجانبِ عنواينِ القصائدِ في الفهرس
ستجدُ هنا بلادَكَ التي احببتَ وجرحَتْكَ فأحببتَها اكثر
وقد خَبْئَها عامرُ السعيدي من شبوةَ حتى المهرَة بين دفتي دفتر

فمن غيرُ عامرٍ قادرٌ على ذلك

من غيرُهُ
يسرِحُ شعرَ الريحِ ويستحمُ في حدقاتِ الغيومِ
من غيرُهُ يضعُ ازهارَ التوليبِ فواصلاً وينقطُ الحروفَ بالنجومِ
من غيرُهُ يؤرجحُ الامنياتِ على عنقِ نخلةٍ
ويلفُ البروقَ كالاشرطةِ الملونةِ
حولَ باقاتِ الوردِ وعلبِ الهدايا

من غيرُه يخيمُ النازحونَ كلَ مساءٍ في راحةِ يديهِ
وتحجُ طوابيرُ الالاتِ الموسيقيةِ كلَ صباحٍ إلى شفتيهِ
ويسرقُ المسافرون وقتاً مستقطعاً
للاستراحةِ تحتَ ظلِ اهدابِهِ

من غيرُهُ
ترعى الخيولُ من اعشابِ رمشيهِ
ويأخذُ المتعبونَ قيلولةً على جبينِهِ
وتأكلُ الزرافاتُ ما تدلى من فاكهةِ سماءِ خيالتِهِ العاليةِ

من غيرُهُ يحولُ الحجارَة برتقالاً وتزهرُ في صحراءِهِ السهامُ
من غيرُهُ يصنعُ من الكلماتِ مراجحياً وقبعاتٍ للاطفالِ
ويحولُ النقاطَ بذوراً في يدِ الفلاحين
ينثرونها في الأرضِ فتنبتُ السنابلُ السمراءُ
ويلقونها في الهواءِ
فتأكلُ منها اسرابُ الطيورِ المهاجرةِ
من غيرُهُ
يمدُ حبالَ افكارِهِ على سقوفِ البيوتِ
كحبالِ الغسيلِ
فتعلقُ عليها الصبايا قلوبَهُنَ المبلولةَ بالحرمانِ والحنينِ إلى أن تجفَ
ويزهرَ فيها الياسمينُ

ومن مثلُهُ
يتنقلُ بينَ الابياتِ بكلِ سلاسةٍ
تماماً كما يتنقلُ خيطُ صوفٍ بينَ ابرتي حياكةٍ في يدِ امراةٍ عجوز
وهي تخيطُ كنزةً لحفيدِها لتدفعَ عنه بردَ الشتاءِ

من مثلُه

يتنقلُ بينَ المعاني بانسيابيةٍ وخفةٍ عاليةٍ
كما تتنقلُ الفراشةُ من زهرةٍ إلى زهرة
والحمامةُ من مأذنةٍ إلى مأذنة
والقبلةُ من شفةٍ إلى شفه
واللحنُ من وترٍ إلى وتر

من غيرُهُ
يضرمُ القصيدةَ الثوريةَ مشعلاً ليحمِلَهُ ثائرٌ في المدينةِ
ويفصلُ القصيدةَ الغزليةَ فستاناً ابيضاً لتلبِسَهُ عاشقةٌ في الريفِ
ويضفرُ القصيدةَ السياسيةَ سوطاً لاذعاً
فيمزقُ عباءاتِ السلاطينِ البراقةَ
ليعريَ امامَكَ سؤتَهم القبيحةَ
ويكشفَ لك كروشَهم الممتلئةَ بالنفطِ
فتراها كما يجبُ أن ترى

من غيرُه

ينسجُ قصائدَ الرثاءِ اعلاماً وطنيةً
يلفُ بها شهداءَ الكرامةِ
فترفرفُ ذكراهم خافقةً فوقَ ساريةِ الخلودِ

من غيرُهُ
يحيكُ القصيدةَ الوطنيةَ بزةً عسكريةً
يرتديها مقاومٌ مرابطٌ عندَ خطوطِ التماسِ
فيقفُ غارساً قدميهِ سيفاً يمانياً في جبالِ البلق
ومعلقاً رأسَهُ نجمَ سهيل في السماءِ العاشرةِ
ثم يضعُ يدَهُ على صورةِ حبيبتِهِ في جيبِهِ
ويقاتل

من غيرُهُ
يمدُ من شرفةِ الليلِ يدَهُ التي الِفَتْ المنجلَ والعلمَ والقلمَ
ليلتقطَ من السماءِ نجمتين
ويأخذَ من القمرِ حفنةً من الغبارِ المضيءِ
ويقصَ من جدائلِ الشمسِ الشقراءِ خصلةً من الاشعةِ الذهبيةِ

فيطحنَها في راحةِ يدِهِ حتى تصيرَ رذاذاً
ثم يضعُها جميعاً في قنينةِ عطرٍ فارغةٍ
يسحبُ من وراءِ الغيومِ قوسَ قزح
يثنيهِ بينَ اصابِعِهِ حتى يصيرَ مستقيماً
يغمسُهُ في القنينةِ
ليكحلَ بها عيونَ عاشقةٍ حزينةٍ
عاشقةٍ تنتظرُ قدومَ حبيبِها وراءَ نافذةِ الحنينِ
حتى تصبحَ عيونُها سماواتٍ ملونةً
فتشدَ حبيبَها التائهَ في المنافي من قلبِهِ إلى صدرِها
من غيرُهُ قادرٌ على فعلِ ذلك
لا احد


يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

عامر السعيدي

أغنية راعي الريح

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى