كتّاب

أبو سفيان المهان…


أبو سفيان المهان

ويستغل محمد فرصة معركة قامت بين بنو بكر وبين خزاعة، وقفت فيها قريش على مايبدو بجانب حليفتها خزاعة ضد بنى بكر حلفاء محمد، وهو مااعتبره إنتهاءا للعهد الذى بينهما فأمر بإعداد الخميس، ولكن أبو سفيان جاء للمدينة ليعتذر شخصيا لمحمد ويجدد المعاهدة بل ويزيد من مدتها، وكان من الطبيعى أن يذهب إلى بيت إبنته أم حبيبة زوجة محمد، ففوجى بها تطوى فراش زوجها حتى لايجلس عليه أبوها، فتساءل مندهشا:

“يابنية، ماأدرى أرغبت بى عن هذا الفراش أم رغبت به عنى؟ قالت: بل هو فراش رسول الله ص وانت رجل مشرك نجس، ولم احب أن تجلس على فراش رسول الله ص”(السيرة النبوية، بن هشام ج 4 ص 22 ).!

كانت هذه هى أول ضربة يتلقاها سيد قريش من إحدى المؤمنات الجدد، التى تنكرت له تماما وكأنها لاتعرفه، بل ووصفته بأنه مشرك نجس، وهى الفكرة التى جاء بها الإسلام للتفرقة بين المؤمنين والكفار، حتى لو كان الكفار من ذوى القربى مثل أبو سفيان وبنته، ليخرج شريف قريش من بيت إبنته مذهولا مطرودا لايكاد يصدق نفسه وهوانه حتى على لحمه، ولجأ بعدها إلى أقاربه من كبار الصحابة فتنكر جميعهم له وكأنه لاشئ، فخرج الرجل مهرولا مذعورا إلى بلده، أو ربما وقف فى بعض الطريق، ومن ورائه خرج محمد فى عشرة آلاف مقاتل لغزو مكة بقيادة النبى نفسه.
فى الطريق دخل أبو سفيان على محمد فى حماية عمه العباس طالبا الأمان له، فطلب منه محمد أن يؤمن بالله وحده لاشريك له، فقال له الرجل أنه بالفعل يؤمن بهذا، فالله واحد أحد وما الأصنام إلا تقربا لله الواحد وليست معبودات فى ذاتها، فانتقل محمد للمطلب الأساسى قائلا:

“ويحك أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنى رسول الله؟، قال: بأبى انت وأمى، ماأحلمك وأكرمك وأوصلك، أما هذه فوالله إن فى النفس منها حتى الآن شيئا، فقال له العباس: ويحك اسلم واشهد أن لاإله إلا الله وأن محمد رسول الله قبل أن تضرب عنقك، قال: فشهد شهادة الحق فأسلم”( السيرة النبوية، بن هشام ج 3 ص 26 ).!

وهكذا تحدد إتجاه الريح منذ هذه اللحظة، محمد يأمر أبو سفيان زعيم قريش بالإيمان به كرسول، يحاول الرجل أن يرفض أو يؤجل هذه المرحلة ربما حتى يقتنع بها، فهو رجل شريف لايصح أن يختم حياته بالكذب، ولكن واجهه العباس بصرامة، إما الشهادة وإما قطع الرقبة، فانهار الرجل متنازلا عن قناعاته وشرفه وأعلن قبوله أن محمد يأتيه وحى السماء، حتى لو لم يكن يعتقد هذا فهو على الأقل قد إحتفظ بعنقه فوق كتفيه.!
ودخل محمد مكة دخول الفاتحين بدون قتال، فتوضأ وصلى واتجه للكعبة واخذ مفتاحها ودخل فكسر الأصنام التى كانت بها، ثم أمر بلال بالآذان للصلاة، فصعد بلال ليؤذن للمرة الأولى من فوق سطح الكعبة نفسها، وفى فناء الكعبة يجلس أسياد قريش، أو على الأدق من كانوا أسياد قريش:

“فقال عتاب بن أسيد: لقد أكرم الله أسيدا ألا يكون سمع هذا، فيسمع منه مايغيظه، فقال الحارث بن هشام: أما والله لو أعلم أنه محق لاتبعته، فقال أبو سفيان: لاأقول شيئا” (السيرة النبوية، بن هشام ج 4 ص 35 ).!

تلك والله صورة مضحكة مبكية، شريف منهم يحمد الله الذى أمات والده قبل أن يسمع العبد بلال ينهق بالآذان من فوق الكعبة، الثانى يعلن أن محمد مدعى وليس بنبى بالفعل، أما أبو سفيان فمايزال مذعورا من حديث قطع الرقبة، إلى درجة ان خاف أن ينطق فيصل كلامه لمحمد، أى كان الرجل فى قمة رعبه فى تلك الأثناء.


يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫6 تعليقات

  1. فولتير أعاد نفس إنكار ابا سفيان واستغرابه من حكاية انه رسول تلك حينما وقف امام الشمس المشرقة وقال مخاطبا الله اعرف انك موجود واعرف أيضا انك كلي القدرة وكلي الإرادة اما حكاية هذه السيدة وابنها فلا وألف لا

  2. أي ايمان هذا الذي تطلبه بقوة السيف وجبروت المتمكن من رقاب الناس بلا رحمة ولا خلق، وفي اعتقادي أن هذا الموقف من إذلال أبو سفيان كان له أثر كبير وجرح عميق في نفس معاوية وهذا الذي جعله هو وأبنه يزيد بهذه الوحشية بما صنعوه بآل هاشم وأحفاد محمد وهذا العامل النفسي الذي يجعلهم لا يصدقون هذه الرسالة وأنما ركوبها ليعودوا شرفهم المسلوب من محمد وما عمله بأبوهم

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى