كتّاب

يا رايحين للنبى الغالى.. هنيالكم وعقبالى…


يا رايحين للنبى الغالى.. هنيالكم وعقبالى

فى مثل هذا الايام، ومنذ القدم امر الله نبيه ابراهيم – عليه السلام – ان يؤذن فى الناس بالحج الى بيته الحرام ليأتوه رجالا وعلى كل ضامر ومن كل فج عميق ، يشهدوا منافع لهم ، ويذكروا اسم الله فى ايام معدودات، ومن يومها يسعي المؤمنون من شتى بقاع الارض ليتجمعوا جميعا فى اطهر بقاع الدنيا، فى بيت الله الحرام ،بالملابس البيضاء، غير المخيطة، حتى لا يميز بينهم من هو امبراطور او ملك يملك الارض ومن عليها، ومن هو مسكين لايملك من الارض شبرا، او من هوغنى يملك المليارات ومن هو فقير لايملك قوت يومه ، وحتى يصدق فيهم قول الرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) فى مثل هذا الموقف وفى ايامه الاخيرة ” ايها الناس اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الاسلام دينا ايها الناس اسمعوا منى لعلى لا القاكم بعد عامى هذا، كلكم لآدم وآدم من تراب أيها الناس دماءكم واعراضكم واموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، ليس لعربى فضل على اعجمى ولا لابيض على اسود الا بالتقوى”
ومنذ ان دخل الاسلام مصر ، كانت قافلة الحج المصرية اعظم القوافل واكثرها عددا وعدة ، تذهب بالخير الى بلاد الحرمين، ومعها كسوة الكعبة المشرفة ” المحمل ” والتى كانت تزين بالآيات القرآنية والاحاديث النبوية المشرفة والمشغولة بخيوط الذهب والفضة على ارضية من القطيفة السوداء، بخط الثلث فقط على وجه التحديد وفى العصر المملوكى بدولتيه ( 1250 – 1517 ) كان اكبر اميرين بعد السلطان مباشرة امير الحرب وامير الحاج، وكان امير الحاج يهيمن على مايعادل خمس الاراضى الزراعية فى مصر، ومن ريعها ينفق على قافلة الحجيج ويدفع مرتبات الجند الذين يصحبون القافلة لحراستها وينفق على عمل كسوة الكعبة ونفقات التكايا المصرية فى بلاد الحجاز حتى العام التالى، ومرتبات الاشراف وهبات للفقراء، كما كانت قافلة الحجيج تصحب معها مرسوما بتعيين الامراء لمكة والمدينة المنورة او مرسوم التجديد لهم، وفى عصره بنى محمد على (1805 – 1848 ) دارا بالقلعة لاعداد الكسوة التى ظلت تأخذ معها اشواق ومحبة المصريين الى بيت الله الحرام حتى ستينيات القرن الماضى، وكان موكب الحجيج اهم المواكب كلها فى مصر المحروسة، قبيل موسم الحج بأسابيع عديدة يتوافد الراغبين فى الحج من الدلتا والصعيد فى مكان يسمى بركة الحاج بشمال القاهرة، كما يتجمع حجاج القاهرة بالقرب من القلعة وفى اليوم المحدد للسفر يجتمع فى فناء القلعة الفسيح الجند المسافرون للحراسة والحجيج وشيخ الازهر وشيوخ المذاهب الاربعة وممثلين عن الحرف المختلفة مصطحبين معهم نماذج من روائع فنونهم ، نحاس، ذهب، فضة، زجاج، نجلرة، شمع عطور، بخور. وغيرها وتتحرك القافلة يسبقها ارتال من الطرق الصوفية المختلفة بطبولهم وبيارقهم والوانهم المميزة، وتشق القاهرة من باب القلعة الشمالى الى الدرب الاحمر وقصبة رضوان وتدخل من باب زويلة او المتولى الى شارع المعز لدين الله بينما تقوم النساء على طول الطريق باطلاق الزغاريد “الحيانى” ويقوم التجار بسقيا الناس بالماء المثلج المخلوط بماء الورد او الزهر حتى تخرج القافلة من باب النصر وتلحق ببقيتها فى بركة الحاج وتتجه شرقا، نحو سيناء ويعود الناس والمودعون وهم يدعون للحجيج بسلامة الوصول وسلامة العودة
وكانت رحلة الحج من اهم المناسبات التى يعبر عنها المصريين كدابهم فى جميع مناسباتهم السارة والسعيدة ، بمختلف انواع الفن والاحتفال، فبيوت الحجاج تطلى من جديد، وترسم عليها الجمال حتى القرن العشرين، ثم استبدلت السفن بالجمال، ثم الطائرات، والى جانبها الحاج ملبيا بملابس الاحرام” لبيك اللهم لبيك” وبعض آيات الحج المباركات وعبارة حج مبرور وذنب مغفور،بالاضافة الى الذبائح لاقامة الولائم التى كانت تنشد فيها القصائد الصوفية مثل: بانت سعاد وتائية ابن الفارض وهمزيته، وبردة المديح للبوصيرى بالاضافة الى الاذكار وختم المصحف الشريف،
غير ان الاذاعة كان لها احتفالها الخاص، الذى يتناول رحلة الحج منذ بدايتها مرورا بجميع الشعائر حتى العودة الصحوبة بالمغفرة من جميع الذنوب
ولنبدأ بمحمد الكحلاوى وهو يعبر عن شوقة ورغبته فى زيارة الرسول حتى ولو جاءه ماشيا” منايا يا كحيل العين اشوف النور على بابك/ واطوف الكعبة والحرمين واعيش العمر فى رحابك/ حبيبي يا حبيب الله حاجيلك ماشى على قدمى/ وازورك يارسول الله وامحى بالدموع ندمى”. كما تحتفظ الذاكرة بمطلع الاغنية الرائعة التى تغنيها المجموعة: ” والنبى ياجميل ودينى ع النبى واشوفه بعينى/ النبى لما عدى وفات على منى وجبل عرفات” اما كارم محمود ، فيغبط الحجاج ويتمنى ان ينول مانالوا” يا مسعد الحجاج ..ياهناهم / والله منايا احج معاهم/يارب نفسي اتهنى وازور مكة وزمزم والحرمين/ واشوف نعيم الكعبة واطوف..اروى الفؤاد واهنى العين” اما سعاد محمد، فتقف امام قبر الرسول لتهتف به ” ياحبيبى يارسول الله / ياشفيعى يوم ترتد الى الديان روحى/ ياحبيبا داره الفيحاء فى ارجاء روحى/اسمه انشودة منشودة من قبل نوح/وهو فى توراة موسي/ وبانجيل المسيح/ قبس من رحمة الله على الكون الجريح/ ياحبيبي يارسول الله ” اما اسمهان فتطلب من الحاج بعد ان ترجو شفاعة المصطفى، ان يبوس لها التراب المقدس” عليك صلاة الله وسلامة / شفاعة ياجد الحسنين /دامحملك رجعت ايامه / هنية واتملت به العين/ كرامة لله ياقاصد مكة ونيتك الكعبة تطوف /تبوس لى فيها تراب السكة امانة من مؤمن ملهوف/سالت دموعه وطال دعاه فى يوم خشوعة ينول مناه /دى قبلتك يا نبى قدامه/عليك صلاة الله وسلامه”
اما ام كلثوم فى رائعة شوقى “الى عرفات الله” فبعد ان تعترف بهفواتها تشهد بحبها لبلادها وتدعو النبى ” ويارب هل تغنى عن العبد حجة/وفى العمر مافيه من الهفوات/ وتشهد ما آذيت نفسا ولم اضر/ ولم ابغ فى جهرى ولا خطراتى/ وماحملت نفس هوى لبلادها/ كنفسى فى شعرى وفى نفثاتى/ وقدمت اعزارى وذلى وخشيتى/وجئت بضعفى شافعا وشكاتى/ وانت ولى العفو فامح بناصع من الصفح ماسودت من صفحات”
اما ليلى مراد ، فتهنئ الحجاج وتتمنى لنفسها العقبى”يارايحين للنبى الغالى /هنيالكم وعقبالى/ياريتنى كنت وياكم/ اروح للهادى وازوره/ وابوس من شوقى شباكه وقلبى يتملى بنوره/واحج واطوف سبع مرات/والبى واشوف منى وعرفات/واقول ربى كتبهالى/يارايحين للنبى الغالى” اما فيروز فترى فى الحج مناسبة لكى تصلى للبشر جميعا” غنيت مكة اهلها الصيدا/والعيد يغمر اضلعى عيدا/ياقارئ القرآن صلى لهم اهلى هناك وطيب البيدا/انا اينما حل الانام رات عينى السماء تفتحت جودا/واعز رب الناس كلهم بيضا فلا فرقت او سودا/وجمال وجهك لا يزال رجى يرجى وكل سواه مردودا” ونعود الى ام كلثوم التى تغنى فى نفس مناسبة الحج، لبيرم عن الحب والحبيب كمذهب الصوفية” القلب يعشق كل جميل/وياماشفتى جمال ياعين/واللى صدق فى الحب قليل/وان دام يدوم يوم ولا يومين/واللى هويته اليوم/دايم وصاله دوم/لايعاتب اللي يتوب/ولا فى طبعه اللوم/واحد مافيش غيره/ملا الوجود نوره/دعانى لبيته/لحد باب بيته/واما تجلالي بالدمع ناجيته”
هكذا يحتفل الناس فى بلادنا بالحج، كواحد من اركان الاسلام الخمس، ولكن الذى لايعرفه البعض ان ماسبق تناوله من اغان رائعة تمتلئ بالوجد والعشق الخالص لله ولرسوله لم يكن للمسلمين فقط، وانما شاركهم فيه يهود ودروز وموارنة مسيحيون، انها عبقرية الشعب المصرى ، الذى دفعه الايمان الى شجرة الاخوة الانسانية الوارفة

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى