كتّاب

إسرائيل خائفة، تقاتل على طريقة رجل ذاهب إلى الهلاك. فقدت المهابة التي لها في قل…


إسرائيل خائفة، تقاتل على طريقة رجل ذاهب إلى الهلاك. فقدت المهابة التي لها في قلوب العرب، وخسرت ثقة شعبها وإيمانه بالحتمية الصهيونية .

يمكن لخصومها أن يحددوا شكل المعركة معها: على ظهور الجمال والحمير. أن يخوضوا حرباً ناجعة ومدمرة باستخدام الجمال (دراجات نارية وما شابهها)، غير آبهين بما تملكه في البحر والجو.

ما الأمن إذن؟ كيف يمكن لدولة أن تمنح مواطنيها الشعور العميق بالأبدية؟ إسرائيل ليست جاهزة لذلك، وتلك معضلتها منذ التأسيس. متى ستسقر إسرائيل؟ هي مشروع تخلّق من التناقضات الألف، وكي يبقى على قيد الحياة لا بد من وضع اليد على الزناد. يا لها من دولة مرهَقة، إذن. بالجمال والبعير اختُرق جيشها المرهق، جيشها الذي فُرضت عليه اليقضة منذ ثلثي قرن، وأدركه النعاس في عسقلان.

يحدث أن يتزعزع مجتمعها من وقت لآخر على نحو جاد. يتصايح الساسة، يهولون من حجم الخطر، يبكون بصوت فجيع. ولكي يستعطفوا سائر العالم يرددون: الأعداء قرروا محو إسرائيل. يضيف كل هذا إلى إحساس مجتمعها بانعدام الأمن، بأنهم يعيشون في دولة بنيت على عجل. وكلما انتحبوا، حقاً وباطلاً، خارت ثقة الشعب بدولته وبمآلاتها.

يرد تعبير “محو إسرائيل” فقط على لسان ساسة تل أبيب. أما العرب فيتحدثون عن الحصار، القدس، المستوطنات، حل الدولتين، والقوانين الدولية.

القنبلة التي تسقط على غزة في ٢٠٢٣ تترك أثراً مختلفاً عن تلك التي سقطت في ٢٠٠٣. أجيال عربية جديدة نشأت مذذاك، لا تعترف بهزائم القرن الماضي، مكنتها التكنولوجيا من معاينة الجريمة السامية لحظة بلحظة. تفعل قنابل إسرائيل ما لا تفعله حتى الكتب المقدسة: تهين كبرياء ونرجسية الملايين حول العالم. تلك الندوب العميقة في “الذات العربية” لن تذهب أدراج الرياح. أميركا تعرف ذلك، وبإمكانها أن توشوش صغيرتها. وغزة، أيضاً، قالت للعرب إن هذا الكيان منهك وتائه.

أن تتبخر فرقة عسكرية، من ثلاثة ألوية، خلال ساعات، لهو خبر ثقيل على يهودي يريد أن يصدق بأنه قد وجد الأمن أخيراً. هبّ الغربيون بسرعة لإنعاش إسرائيل. إفادة عاجلة على أن تلك الدولة غير قادرة، بمفردها، على العيش. لا يصدق أحد أن مشروعاً استعمارياً بمقدوره أن يعيش ألف سنة تحت قبة حديدية. فحتى أخيليس أدركه النعاس.

تتبدل وسائل الصراع، فلسفته، وسياقاته الدولية. ففي خمسينات القرن الماضي أعلنت ألمانيا أن مخازن جيشها تعرضت للسرقة والنهب. فعلت ذلك لتخفي حقيقة أنها أرسلت السلاح الثقيل إلى إسرائيل. آنذاك كان المسرح الدولي حافلاً بلاعبين عديدين، وبشبكات أحلاف ونفوذ. الآن تعلن ألمانيا عن دعمها العسكري صراحة، حد تأكيدها إن جسراً جويا، عند الضرورة، سيرى النور. المعادلة الألمانية، هذه، ستتغير مستقبلا حين تتغير القواعد، وهي آخذة في التغير داخلياً وخارجياً.

إن كان من وصف وحيد يصلح لهذا العالم فهو أنه: مركّب غير مستقر.

ما يعني أن صراعاته بلا نهايات. ففي سبعينات القرن الماضي ضج العالم بالحديث عن منظمة التحرير الفلسطينية “الإرهابية”. تقاعدت المنظمة وجاءت أخرى. ستفنى الأخرى وتأتي سواها. المستقر الوحيد في هذا الحلزون هو اللا-أمن داخل إسرائيل.

فقدت إسرائيل الشروط العميقة للدولة، في مطلعها فكرة الاستقرار، والقدرة على التنبؤ بالقادم. تشكيل استعماري يغرق في بحر معاد قوامه ملياران من البشر. لا تحالفات إسرائيل ولا جيشها قادران على تحقيق الردع. والردع مفهوم استراتيجي يعني عند حدوده الدنيا: نصر بلا حرب.

في طريقها لترميم المهابة ظهرت إسرائيل كمنظمة نازية لا حدود لهمجيتها. وفي سبيلهم لإنقاذ سمعتها ظهر الغربيون على شكل كيانات متداخلة، لا تقيم قدراً لحرية التعبير داخل مجتمعها ولا تحترم أبسط دعاويها حول حقوق الإنسان والعدالة الدولية خارجياً. انهيار شامل لقوة الغرب الناعمة، انكشاف حاد لدعاويه حول تفوقه الأخلاقي، وضربة في الوجه للأ بيض المستنير، أو الضبع الخفي.

افترضت فلسطين على مرّ الأيام أن العالم الغربي همجي الطبيعة، وأن قيمه النظيفة حول الحرية والتنوع الخلاق مجرد دعاوى استعمارية، وسائل ناعمة لاحتلال العالم الحديث بلا حرب. بقيت الفرضية الفلسطينية عصية على الإثبات إلى أن جاءت غزة.

القدس عاصمة فلسطين
وفلسطين عاصمة كل حر

م.غ.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى