كتّاب

أمام الكاميرا وقف ثلاثتهم: نتنياهو، وزير جيشه ورئيس اركانه. رددوا ما بات العالم …


أمام الكاميرا وقف ثلاثتهم: نتنياهو، وزير جيشه ورئيس اركانه. رددوا ما بات العالم يعرف أنها أباطيل: سندمر الإرهابيين الذين قطعوا رؤوس الأطفال واغتصبوا النساء. مترجم الجزيرة الفوري نقل الحديث إلى العربية: زنوا بنسائنا. ولا أظنه كان بريئاً كل البراءة وهو يبدل فعلاً مكان فعل.

لا يتوقف الصهيوني عن ترديد أكذوبته حتى تصير حقيقة. هل علينا أن نصدق قصة الهولوكوست بكل تفاصيلها؟ يقول كتاب اليهود المقدس إن كل من شهد جريمة ولم يروها فقد أغضب الله.

بعد الحرب العالمية الثانية انطلق اليهودي الفرد يروي القصة، بدافع ديني في المقام الأول. مئات آلاف القصص نشأت من العدم. نادراً ما أمكن التحقق من تلك القصص. تحت ضغط عال من المنتصر اضطر الألماني المهزوم إلى تصديق الرواية اليهودية عن المذبحة. صار الهولوكوست أم الحكايات، وغدا التشكيك فيه أكثر خطراً من إهانة مكة أو الڤاتيكان.

ثم جاء الفصل الثاني: اتفاق لوكسمبورغ مطلع الخمسينات. فرض على الألمان، كجزء من التعويض المادي والأخلاقي، تأهيل الجيش الإسرائيلي ودعم البلاد الشابة بالأموال.

استمر اختطاف الإرادة الألمانية حتى اللحظة. بالأمس رفع علم إسرائيل على سارية كبيرة أمام البوندستاغ، برلمان ألمانيا. لا يوجد، حاليا، ما يدل على أن ألمانيا دولة مستقلة ذات سيادة. تبدو للعيان في هيئة “تشيك پوينت” تابعة لسفارة الكيان!

أحيطت الحقيقة بالأكاذيب. تلك نصيحة غالية سمعها اليهود من تشرشل: إن الحقيقة غالية جدّاً، لذا لا بد من حمايتها بالأكاذيب. تعرض اليهود، ضمن آخرين، لمذبحة في الحرب. خسر الروس في تلك الحرب ٢٦ مليوناً. ويقدر عدد المثليين الذين فقدوا أرواحهم بمائة ألف. السود، المسلمون، كبار السن، المرضى، الخلاسيون، الأسيويون، كلهم كانوا ضحايا للنازية. أخصت النازية كل الأطفال المولودين لأمهات ألمانيات وآباء أفارقة، في عملية رسمية للتخلص مما أسموه “العار الأسود”.

وحدها السردية اليهودية خرجت منتصرة، وتناسى العالم ما حل بألمانيا نفسها، بأرضها وبالملايين الذين تاهوا بين البلدان الشرقية ولم يتمكنوا قط من العودة.

سألت مسنّاً ألمانيا عن معنى اسمه “كاتسه روف”، فأجاب بحسرة: دخل الروس إلى منزلي بعد الحرب وإلى جانبي قطة. سألوني عن معنى كلمة قط بالألمانية فقلت لهم كاتسه. قالوا لي إذن أنت كاتسه روف.

أجبر الألمان على نسيان تغريبتهم، والتنكر ل”أبناء الذئاب”، وهم الأطفال الألمان الذين تاهوا بين الحدود إلى الأبد. وحدها الرواية اليهودية ربحت، وأمسكت بتلابيب ألمانيا حتى الآن.

الليلة أعاد الرجال الثلاثة ترديد قصة كشف العالم كله زيفها: قطع رؤوس الأطفال واغتصاب النساء.

ما الذي حدث لهم في ألمانيا إبان الحرب؟ وحدهم من يحتكر الرواية. أنشأوا لذلك فرعا ضخما في الأدب أطلق عليه Literatur der Shoah أو أدب الكارثة. كلمة Shoah تعني المصيبة أو المأساة بالعبرية. كرس الأدب السردية اليهودية للحرب، معززا التاريخ الذي كتب على عجل.

اليوم يكرر الثلاثة، نتنياهو والجنرالات، حكاية قصة رأى العالم زيفها. لا يكف الصهيوني عن النواح وادعاء المظلومية. حتى غولدامائير، في مجدها، كانت تقول: لن أغفر للعرب أنهم أجبرونا على قتل أطفالهم. كانت مظلومة وتعيسة حتى وهي تقتل أطفال العرب!

في القدس، قبل أسابيع، زرت بعض المؤسسات الثقافية الفلسطينية. سمعت المثقف الفلسطيني يردد “الرواية الإسرائيلية” للتاريخ. وفي رام الله سمعت وزير الثقافة يقول: الرواية الملوثة. وفي مطارح أخرى سمعت المثقف الفلسطيني يقول: الرواية الصهيونية للصراع، ذلك هو التحدي.
والليلة أفهم أكثر من أي وقت مضى ما سمعته في فلسطين.

م.غ.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى