كتّابمفكرون

“الهزل السياسي”…


“الهزل السياسي”
في مصر نشاهد العجب من الجانبين، المعارضون للنظام، والمؤيدون له، مما ينبيء عن فقر سياسي رغم كل هذا الزخم الذي نشهده منذ أكثر من 7 سنوات.

الجانب المؤيد للرئيس يري فيه مركزا للكون وبطلا قوميا وقائدا عسكريا استطاع أن يتخذ القرار ويخلص مصر من مهلكة الإخوان، فهو المخلّص، وبالتالي فهو يرضي به، وبكل ما يأتيه، بصرف النظر عن صحة وصلاح ما يتخذه من قرارات.

بل يتعدي الأمر الي أبعد من ذلك بالتهليل لكل مشروعاته ويري أنها المخرج لمشاكل مصر، دون أن يبحث حقيقة ذلك وجدواه، ودون أن يفكر في باقي الجوانب مع أن مشاكل مصر لها أكثر من وجه وليست اقتصادية أو اعمارية فقط.

من هنا ظهر رجال المال الطامحين لتحقيق المصالح، ليتبوأوا مكانهم الذي اعتادوا عليه علي مدار 40 سنة من حكم السادات ومبارك، بعد أن وجدوا في هذا المناخ السياسي الفقير فرصة لا تعوض لتحقيق أهدافهم.

والأكثر خطورة هذا التكوين الذي لا يمكن تصنيفه ولا تسميته حتي لو أطلق علي نفسه (حزب مستقبل وطن) المكون من جماعة من الإنتهازيين المنتفعين المنافقين الذي تكون في غفلة من الزمن ليماثل الاتحاد القومي وحزب مصر والحزب الوطني الديمقراطي، لا لشيء سوي للدعم الأعمي لنظام الحكم، والسيطرة علي الإنتخابات وقطع الطريق علي أي محاولة شريفة لمعارضة شريفة، والأعجب من ذلك أن تنضم اليه أحزاب أخري ورجال المال علي نظام (خليك مع الرايجة) لمحاولة الحصول علي جزء ولو يسير من الكعكة.

وهنا يكون التأييد غير ذي موضوع، لأنه يؤيد الشخص ويؤيد المصالح الشخصية ولا يخدم الحياة السياسية، ولا يؤيد الرؤي والتوجه، وهم في النهاية يشكلون غالبية، ولكنها ليست فاعلة نظرا لأنها لا تمثل المجتمع ولإنعدام الأساس السياسي والفكري لها، رغم الدعم اللانهائي التي تحصل عليه من من نظام الحكم والإعلام الموجه غير المهني وغير الموضوعي.

علي الجانب الآخر تري المعارضين علي قلتهم شديدي التنوع، بين اسلامي سياسي يعارض كرها وحسرة علي تهدم دولته، وبين شاب يتعلق بشعارات زائفة في معظمها وبعيدة عن الواقع، كأن يقول لا لحكم العسكريين، أو مثقف اتخذ الجانب المعارض ليبدو ظاهرا مميزا في ضراوة وتجاوز، ومعارض آخر يرفض النظام، ويتخذ التركيز علي السلبيات الفرعية وسيلته، ولكنه لا يطرح البديل الشامل، وان طرح فهو يطرح بدائل واهمة بعيدة عن الواقع، غير قابلة للتطبيق.

هناك فئة ثالثة أغلبها من المثقفين آثرت الصمت اتقاءا، ولكنها محسوبة بشكل أو آخر علي فئة المعارضين.

والحقيقة أنهم جميعا مؤيدين ومعارضين، لم يلمسوا لبّ المشكلة وجوهرها، وهو الواقع السياسي المتردي، والذي لا يصح أن نتهم النظام وحده بأنه السبب فيه.

مفهوم التأييد والمعارضة يجب أن يتشكل من خلال كيانات سياسية كبيرة وفاعلة، وأهمها علي الإطلاق طبقا لمدنية الدولة هي الأحزاب السياسية.

لقد صيغ الدستور بصلاحيات واسعة لمجلس النواب، ومن هنا يجب أن تظهر بوضوح فكرة التأييد والمعارضة، والمجلس كما نراه وسنراه قطعا عديم الطعم واللون، فليس فيه معارضة الا بعض الشباب الفرادي المعترضين وليس المعارضين، والباقي لا تفهم له توجه واضح، وفي الغالب هو مؤيد لمصالحه، أو مؤيد لمن أتي به الي المجلس، أو تائه لا يستطيع أن ينتسب الي جماعة محددة، هذا ما أُريد للمجلس أن يكون، أو قل هذا كان الملجأ لتشكيل تيار مؤيد للنظام في المجلس النيابي.

حدث ذلك لعدم وجود أحزاب في مصر، وأقولها بشكل مطلق، فليس في مصر حزب مؤهل للحكم يستطيع أن يشكل ائتلافا داعما لتوجهه، في مقابل أحزاب أخري معارضه.

ونظرا لأننا نتحدث عن التأييد والمعارضة فعدد من أعضاء مجلس النواب في أي من الجانبين لا يكفي أبدا، إن لم يكن خلفهم ظهير شعبي وحزبي كبير.

اذن فما هو الظهير الحزبي والشعبي المؤيد للنظام أو الرئيس حاليا الذي يدعمه بشكل جوهري فاعل، ويؤيد سياساته (والتي يفترض أن تكون خططت ودرست داخل هذا الظهير), ومن ثم فهو يشكل العناصر التنفيذية المؤهلة لتحقيقها ؟ الإجابة لا يكن، فهل سمعتم عن حكومة شكلها حزب مستقبل وطن صاحب الأغلبية الساحقة في مجلس النواب.

نحن نعيش حالة من الهزل السياسي، والأسبقية الحتمية هي أن ندعو لإصلاح الحياة السياسية قبل اصلاح الطرق والكباري، وتوحيد الصفوف، في كيانات كبري فاعلة، معبرة عن الشعب وطموحاته, ليخرج منها نظام الحكم المأمول، يضع الشعب مصدر السلطات نصب عينيه ويعمل لصالحه.
#بالعقل_والهداوة

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Sameer Zain-Elabideen سمير زين العابدين

خريج الكلية الحربية فبراير 1969, أعمل حاليا في النظر حولي وأشياء أخري, عقلي هو إمامي ورئيسي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى