كتّاب

فى ذكراه: عرفت فرج فودة…


فى ذكراه: عرفت فرج فودة
1945 – 8 يونيو 1992
سنة 1986، كنت قد قرأت كتابه قبل السقوط الذى صدر حالا، وهالنى كم ما به من شجاعة وجرأة ووضوح فى الرؤية، فهو يرى أن السقوط نفسه والجواب كما نعلم يبان من عنوانه هو “تطبيق الشريعة الإسلامية” وهو الشعار الأكبر الذى لم يختلف عليه كل من يدعو للدولة الإسلامية من أزهريين وجماعات إسلامية متطرفة وإرهابية أو حتى مثقفين وكتاب إسلاميين، كان إهداء كتابه نبوءة لما ينتظره يقول فيه: “إلى ولدى ياسر الذى لم أدخر له إلا المخاطرة” .. وقد كان
وجاء الكتاب فى وقت كانت الجماعات الإرهابية بعد فترة هدوء تكتيكى أعقبت مغامرة قتل السادات (أكتوبر 1981) قد عادت للنشاط والعمل، وراحت تصدر منشوراتها وتفرض هيمنتها على بعض الأحياء، وتفرض الجزية على الأقباط فى بعض المناطق، وتغتال ضباط الشرطة، وتحرق المسارح وتدمر سرادقات أفراح الناس وتدمر آلات الموسيقى لأن الموسيقى والغناء والرقص كلهم حرام شرعا، وتحرق محلات الفيديو، وتسرق بعض محلات الصاغة الأقباط وتقتل أصحابها، وينشط جناحهم الهادئ فى الإخوان المسلمين الذى رفع شعار “الإسلام هو الحل” للتحالف مع حزب الوفد الليبرالى العتيد الذى يتخلى ببساطة ودناءة عن تراث سعد والنحاس العظيم العلمانى، نظير ثمن بخس وهو بعض مقاعد مجلس النواب
وكانت خطورة فرج فودة على هذا الخطاب المتخلف وأصحابه تأتى من مصادر متعددة: منها وضوحه الشديد فهو مطلقا لم يسع لمسك العصا من المنتصف، ويرفض أن يبدأ من أى منطلقات دينية، وير ان دعاة الدولة الدينية هم سيسقطوا بالإسلام، اما هو فهو الذى يجله ويحترمه ويجعله فى عليين لأنه ينأى به وينزهه عن ألاعيب السياسة ومؤمراتها وحسابات المكاسب والخسائر السياسية
ومنها جرأته: فهو يطالب بإقامة حد القذف على شيخ الأزهر –جاد الحق- لأنه اتهم فرج فودة على الملأ بأنه مأجور دون أن يملك علي كلامه دليلا ولا بينه يقدمه للنيابه
ومنها: ثقافته الإسلامية الثرية، فعندما يتحدث أحدهم عن عظمة فلان من الخلفاء الأمويين أو العباسيين يحدثنا عن ولعه بالغلمان وما قاله فى التفاعل معهم من شعر كثير، وعن شى أطراف ابن المقفع مثلا وإطعامها له وهو مازال حيا، وعن الخليفة الذى أمر بمد سماط الطعام على أجسام من بقى من آل بيت الرسول (ص) بعد أن أمر بتقتيلهم وهى بعد مازالت تختلج
ومنها: سخريته اللاذعة، فهو يتهكم على الشيخ الشهير الذى يرفض الغسيل الكلوى، ويسرع إلى لندن لعلاج عينيه من عارض ألم بهما، وهو قادر بسهولة على أن ينتزع الابتسامة من القارئ، وهو قادر على اجباره على أن لايترك مقاله إلا بعد أن يفرغ منها متأملا فى أفكاره الهامة والواضحة فى نفس الوقت.
عرفت الرجل منذ صدور كتابه قبل السقوط وصحبته فى الكثير من ندواته، وكان يطلب رأيى فى بعض مسودات مقالاته وكتبه، وكان يدور بيننا حوار عن السياسة والمستقبل، وكان يقرأ علي ما يكتب من أشعار، وكان يحب أن يستمع لأغنية “ياحبيبى يارسول الله” لسعاد محمد،
وفى آخر أيامه كنا نتناقش فى طبيعة الحزب الذى سيؤسسه وصحيفة المستقبل الناطقة بلسانه
وكان يقرأ لى بعض ما يصله من رسائل تهديد، ويرفض أن تضع له وزارة الداخلية حماية من بعض الجنود، وعندما كنت أقول له: فلتحمل مسدسا مرخصا يادكتور فإذا كان لن يحميك من بندقية آلية فهو على الأقل يحميك من طعنة غادرة من خنجر، كان يرد: هل تريدنى أن أكون كاذبا وأنا أقول للناس، رافعا قلمى ليس لدى من سلاح سوى قلمى، بينما فى جيبى مسدس محشو بالرصاص
ليس ما كتبت محاولة لفهم عالم فرج فودة الثرى وإنما مجرد محاولة للاقتراب من عقل الرجل الذى وضع كلماته فى كفة وحياته فى الكفة الأخرى، فكان استشهاده الفاجع هو الدليل على عجز وافلاس وخسة من قتلوه غدرا ومن دافعوا عنهم


يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى