توعية وتثقيف

مقَوّمات النجاح (جزء ١٫٥ من ٢)…


مقَوّمات النجاح (جزء ١٫٥ من ٢)

ذكرتُ فى المقالة السابقة (جزء ١) أهمية تعريف ‘النجاح’ قبل أن نناقش عوامله و مقوماته. لكنى فى الحقيقة لم أقدم تعريفاً شافياً، بل أثرت عدداً من الأسئلة بدلاً من ذلك. فى هذه المقالة سأطرح بالفعل “مشروع” تعريف للنجاح، و أنا واثق من أن تعليقات الأصدقاء ستكون على نفس القدر من الإفادة و الإثراء.

العنصر الأساسي فى التعريف الذى أقترحه هو ‘القدرات الكامنة’ (potential) للشخص. لكي أوضح هذا المصطلح، سأستخدم مثالاً من عالم الجماد. دعنا ننظر إلى المياه فى بحيرة ناصر: هذه المياه تبدو ساكنة، و إذا تُركت لحالها فهي مجرد مرتع للأسماك والتماسيح إلى أن تتبخر وتذهب إلى حيث لا نعلم. لكنها إذا فُتحت لها بوابة معينة فهي تتدفق بطاقة هائلة نحو مولدات الكهرباء و تديرها. علمياً نقول إن تلك المياه كانت تحتوى على طاقة كامنة (potential energy) تحررت عندما فُتحت لها البوابة، و تحولت إلى طاقة حركية مفيدة أدارت التوربينات (*).

بالمثل – كل شخص لديه قدرات كامنة (potential) هي محصلة المواهب التى منت بها عليه الطبيعة، (أو الله – حسب معتقدات القارئ.) و تفعيل تلك القدرات الكامنة، أي تحويلها إلى أفعال نحسها و نراها، هو ما نحاول إنجازه أنا و أنت و كل شخص آخر. إذا إستطاع الشخص أن يُفعِّل قدراته الكامنة إلى أقصى حد ممكن، فقد نجح فى حياته، و إذا لم يحدث ذلك لسبب أو لآخر فقد أضاعها.

نادراً ما تكون الأمور إما صفر وإما ١٠٠٪؜؛ فى أغلب الحالات ينجح الشخص إلى درجة ما بين صفر و ١٠٠٪؜. و لن نعرف أبداً تلك الدرجة. ستيڤ چوبز الذى إبتكر التليفون الذكي و أصبح ثرياً إلى درجة تفوق الخيال – هل تمكن من تفعيل كل قدراته الكامنة؟ لن نعرف أبداً. و المتسول الواقف على باب المسجد – هل كانت لديه قدرات كامنة (potential) فشل فى تفعيلها ؟ لن نعرف!

ملخص هذا التعريف، إذاً، هو كما يلى: “معيار نجاح الشخص هو مدى تفعيله لقدراته الكامنة” (**). إذا كان مدى قدراتك الكامنة هو التدريس فى روضة أطفال، وإستعملتَها أفضل إستعمال، فقد نجحتَ فى حياتك. وإذا كانت قدراتك الكامنة تؤهلك لإكتشاف نظرية النسبية ولم تستغلها، فقد فشلتَ والعياذ بالله. فى هذا التعريف، إذاً، نحن لا نقيّم القدرات فى حد ذاتها، بل نقيّم القدرة على تفعيل تلك القدرات.

إذا قبلنا هذا كتعريف للنجاح، سنجد أن معلمة روضة الأطفال التى ذكرتُها فى الجزء ١ قد نجحت، فهي قد فعّلت المواهب التى منت بها عليها الطبيعة على أحسن وجه. كذلك نجح ڤان جوخ، و داڤينشى، و أحمد زويل و فاتن حمامه، و إسماعيل ياسين … و الأم التى أجادت تربية أطفالها … و كل شخص إستعمل مواهبه فى محلها، و لم يبدد قدراته الكامنة فى الهلس أو فى الفارغ (***).

لكن ماذا يجعل البعض أكثر قدرة على إطلاق قدراتهم الكامنة؟ هذا هو فحوى تساؤل الدكتور فوزان والدكتور فرحات. وسنناقش ذلك فى المقالة القادمة بإذن الله.
___________________________________
*) لن أدخل فى التفاصيل العلمية لحساب الطاقة الكامنة و كيف تتحول إلى طاقة حركية مفيدة. ليس ذلك لأن الموضوع صعب (فهو ليس صعباً،) لكن لأنه لا لزوم له فى هذه المناسبة.
**) التعبير بالإنجليزية: ‘Living up to his/her potential’.
***) ماذا عن الإحتكاري سيئ الذكر بنكر هنت؟ بغض النظر عن الأخلاقيات، ألم يفعّل الرجل مواهبه إلى أقصى درجة؟ إذاً فهو أيضاً قد نجح فى حياته؟ هذا يعتمد على قيم المجتمع الذى يعيش فيه – فى مجتمع مادي ١٠٠٪؜ – نعم. لكن المجتمعات الرشيدة لا تقبل أن يكون ثمن نجاح شخص هو الإضرار بمصالح الآخرين.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫12 تعليقات

  1. اتذكر عباره دكرها استاذ اقتصاد في بدايه كورس من كورسات التعريف بالعلم

    اللي فاكر انه في اخر الكورس ح يتعلم يبقي غني ازاي
    احسن له ما يكملش

    بيتهيالي حضرتك كان مفروض تقول كده في اول المقالات الشيقه ..:)

    حضرتك تصف فلسفه تعبير النجاح

    و لاننا نستمع الي نموذج نعتبره قمة النجاح

    ف المتوقع من حضرتك كان وصفه نجاح .مش فلسفه …:)

  2. تعريف دقيق للنجاح د فريد لاكن لنتمكن من استخدام potential لازم من وجود عوامل خارجية مناسبة و محفزة مثل اي تفاعل كيماءي 👍

  3. Strongly agree in a normal environment but unfortunately our Egyptian Society is the enemy of Success and the corruption and fanatism are killing and covering a lot of potential and talent because they don’t belong to certain cast or religion.

  4. أليست هناك عوامل خارجية تجعلك تحبط ولا تستطيع تفعيل طاقة الوضع لدى الفرد..إذا كانت المنظومة فاسدة كيف يستطيع الإنسان أن يبدع ويحقق ما يتمنى ويخرج الطاقة الكامنة لديه

  5. المشكلة فى التعريف الشيق لحضرتك اننا لن نعرف اذا كان الشخص استطاع تفعيل قدراته او لا الا اذا نجح فعلا اما الاشخاص العادية فلن نعرف اذا كان هذا ما هو مقدر لهم ام انهم اهدروا قدراتهم

  6. المشكلة الوحيدة ان ال potential هنا يبدو جامدا static ، كم محدد معطي من الطبيعة او الاله، طبعا هنا سندخل في معضلة nurture vs nature ، و رأيي ان البيئة nurture علي نفس الدرجة من الاهمية ان لم تكن اكبر من المعطي الچيني

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى