قضايا المرأة

. وهل سمح لكِ زوجك بذلك؟”؛ تلك الجملة أسمعها كثيراً، من رجال ونساء، أولهما أخي و…


الحركة النسوية في الأردن

.
وهل سمح لكِ زوجك بذلك؟”؛ تلك الجملة أسمعها كثيراً، من رجال ونساء، أولهما أخي وأمي، في كل مرة أسافر فيها وحدي. منذ أن تزوجت، ينظرون إلى الأمر، وكأنه معجزة صعبة التحقيق، وهي كذلك بالفعل، في مجتمعات تقع تحت أحكام السلطة الأبوية. فدائماً هناك رجل ما، يجب أن تحصلي على موافقته، لممارسة نشاطات أقل من طبيعية، مثل السفر، حتى وإن كانت كلفة السفر من أموالك الخاصة، إذ يجب أن “يسمح” لكِ هذا الرجل “المسؤول” عنك، بالسفر. وتلك -اسمحوا لي بأن أقولها- مأساة، قررت التخلص منها في مراهقتي.

بخمسة جنيهات، وبطيخة، كان يريد هذا الرجل العجوز أن يتحكم بحياتي، كمراهقة في حاجة إلى رعاية، بعد وفاة أبيها. يأتي لزيارة شقيقته، أمي، ويمنحني حضناً زائفاً، ويترك البطيخة في جوار الباب، وكأنها القربان الذي يقدمه ليكون هو رجل البيت، بعد وفاة أبي، هو وأبناؤه الذكور الثلاثة، ثم يمنحني خمسة جنيهات، قبل أن يذهب. كان يقوم بهذا الطقس أسبوعياً، ولكنه يمارس سلطته، هو وأبناؤه، علينا، أنا وأمي، يومياً، بينما أخي يشاركهم تلك السلطة، وفقاً لأهوائه، وإذا اعترضتُ لأمي، تُخرسني بالكلمة المعتادة: “الخال والد”.

تدهشني قدرة بعض النساء، على التخلي عن حقوقهن في تدبير شؤون أبنائهن الذين كافحن لتربيتهم، مقابل أن يكون للمنزل “رجل” مسؤول عنه، في حين أنه مع وجود الرجل في كثير من الأحيان، تكون المرأة هي المسؤولة الفعلية عن كل شيء؛ هي من تدبر اقتصاد المنزل، وهي من تعرف ما يدور في حياة أبنائها، وهي من تفعل كل شيء، حرفياً، يفعله الرجل، بالإضافة إلى أشياء لا يستطيع الرجل فعلها. ومع ذلك، بعضهن لا يشعرن بالراحة، إلا لو كان لهذا البيت رجل، و “ظل راجل ولا ظل حيطة”. بالنسبة إليّ، كانت “الحيطة” أكثر فائدة.

رحلة تخلصي من السلطة الأبوية، لم تنتهِ عند التخلص من هذا الخال، وأولاده، ولم تبدأ أيضاً بهم. فأمي لديها خمسة إخوة رجال، لديهم أبناء من مختلف الأعمار، كما أن علاقتي بأبي، قبل وفاته، كانت معقدة للغاية، وهي مزيج من الحب، والخوف، والاحترام، وتلك هي المرة الأولى التي أقول فيها ذلك علناً: لو لم يرحل أبي عن عالمنا، لكان من المستحيل أن تبدأ رحلة تحرري من السلطة الأبوية.

إذ كان لوفاته أثر كبير في نفسي، و”كسرة قلب”، وافتقاد لحنانه، وفي المقابل كان هناك شعور يولد، مثل طائر صغير في صدري؛ شعور الحرية. فقد رحل أبي، وأنا أفتقده، ولكنني الآن حرة من أي سلطة أبوية حقيقية. وإذا كان أبي قد رحل عن الحياة، فلم يكن لدي استعداد لاستبداله بشخص آخر، يسلب حريتي، ويتحكم بأنفاسي، وملابسي، واختياراتي في الحياة.

يتبع..
كتابة: #أميرة_الدسوقي، موقع @raseef22

.
وهل سمح لكِ زوجك بذلك؟”؛ تلك الجملة أسمعها كثيراً، من رجال ونساء، أولهما أخي وأمي، في كل مرة أسافر فيها وحدي. منذ أن تزوجت، ينظرون إلى الأمر، وكأنه معجزة صعبة التحقيق، وهي كذلك بالفعل، في مجتمعات تقع تحت أحكام السلطة الأبوية. فدائماً هناك رجل ما، يجب أن تحصلي على موافقته، لممارسة نشاطات أقل من طبيعية، مثل السفر، حتى وإن كانت كلفة السفر من أموالك الخاصة، إذ يجب أن “يسمح” لكِ هذا الرجل “المسؤول” عنك، بالسفر. وتلك -اسمحوا لي بأن أقولها- مأساة، قررت التخلص منها في مراهقتي.

بخمسة جنيهات، وبطيخة، كان يريد هذا الرجل العجوز أن يتحكم بحياتي، كمراهقة في حاجة إلى رعاية، بعد وفاة أبيها. يأتي لزيارة شقيقته، أمي، ويمنحني حضناً زائفاً، ويترك البطيخة في جوار الباب، وكأنها القربان الذي يقدمه ليكون هو رجل البيت، بعد وفاة أبي، هو وأبناؤه الذكور الثلاثة، ثم يمنحني خمسة جنيهات، قبل أن يذهب. كان يقوم بهذا الطقس أسبوعياً، ولكنه يمارس سلطته، هو وأبناؤه، علينا، أنا وأمي، يومياً، بينما أخي يشاركهم تلك السلطة، وفقاً لأهوائه، وإذا اعترضتُ لأمي، تُخرسني بالكلمة المعتادة: “الخال والد”.

تدهشني قدرة بعض النساء، على التخلي عن حقوقهن في تدبير شؤون أبنائهن الذين كافحن لتربيتهم، مقابل أن يكون للمنزل “رجل” مسؤول عنه، في حين أنه مع وجود الرجل في كثير من الأحيان، تكون المرأة هي المسؤولة الفعلية عن كل شيء؛ هي من تدبر اقتصاد المنزل، وهي من تعرف ما يدور في حياة أبنائها، وهي من تفعل كل شيء، حرفياً، يفعله الرجل، بالإضافة إلى أشياء لا يستطيع الرجل فعلها. ومع ذلك، بعضهن لا يشعرن بالراحة، إلا لو كان لهذا البيت رجل، و “ظل راجل ولا ظل حيطة”. بالنسبة إليّ، كانت “الحيطة” أكثر فائدة.

رحلة تخلصي من السلطة الأبوية، لم تنتهِ عند التخلص من هذا الخال، وأولاده، ولم تبدأ أيضاً بهم. فأمي لديها خمسة إخوة رجال، لديهم أبناء من مختلف الأعمار، كما أن علاقتي بأبي، قبل وفاته، كانت معقدة للغاية، وهي مزيج من الحب، والخوف، والاحترام، وتلك هي المرة الأولى التي أقول فيها ذلك علناً: لو لم يرحل أبي عن عالمنا، لكان من المستحيل أن تبدأ رحلة تحرري من السلطة الأبوية.

إذ كان لوفاته أثر كبير في نفسي، و”كسرة قلب”، وافتقاد لحنانه، وفي المقابل كان هناك شعور يولد، مثل طائر صغير في صدري؛ شعور الحرية. فقد رحل أبي، وأنا أفتقده، ولكنني الآن حرة من أي سلطة أبوية حقيقية. وإذا كان أبي قد رحل عن الحياة، فلم يكن لدي استعداد لاستبداله بشخص آخر، يسلب حريتي، ويتحكم بأنفاسي، وملابسي، واختياراتي في الحياة.

يتبع..
كتابة: #أميرة_الدسوقي، موقع @raseef22

A photo posted by الحركة النسوية في الأردن (@feminist.movement.jo) on

الحركة النسوية في الأردن

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى