كتّاب

مغالطات تاريخية (2):…


مغالطات تاريخية (2):
أكذوبة مظاهر البهجة الفاطمية:
وكأنها قد أصبحت من المسلمات والبديهيات أن يرجع الكتاب والمؤرخين مظاهر البهجة التى نعرفها كالكحك والقرص والفوانيس وحصان وعروسة المولد، ببساطة وتلقائية إلى زمن الفاطميين
والحقيقة أنها مصرية خالصة ولا تمت للفاطميين بأى صلة لا من قريب ولا من بعيد، ومن الأساس فإن “العيد” هو إختراع حصرى للحضارة الزراعية المصرية، فقد كفلت الزراعة للمصريين أمرين مهمين، الأول هو: الاستقرار مطمئنين إلى لقمة العيش للعام القادم بأكمله، فطالما فاض النيل وسقي الأرض وبذرت البذور فستنبت وستزدهر المحاصيل والثمار، وستنمو الحشائش وتتكاثر الحيوانات والدواجن ويطمئن الناس على رزقهم وحياتهم
أما الأمر الثانى فهو: التفكير والتأمل فى الكون ومظاهره وصيرورته، وكان أبرز مالفت المصريين فى هذا الكون هو فكرة “العود”.. فطالما ظلت حركة الكون منضبطة، فإن نهر النيل “سيعود” للفيضان فى شهر “مسرى” القادم، وهو أمر جدير بالبهجة والاحتفال، فليكن عيد “وفاء النيل” وسيحين موعد حصاد القمح فى شهر بؤونة فليكن “عيد القمح” .. ثم عيد شم النسيم
ومع تطور المجتمع ونظمه السياسية والاجتماعية والدينية تنوعت الأعياد بحيث تشمل كل مظاهر الحياة، وقد صاحب التعبير عن هذه الأعياد مظاهر اجتماعية ثرية تشمل الزفات والمواكب والطواف حول الأضرحة والطقوس والملابس والألوان والرايات وألوان الغناء والموسيقي والأدب والرقص والحركة والذكر والرموز كالتماثيل والمصابيح..فضلا عن الأطعمة والمشروبات
ولأن المصريون مرتبطون بفلكلورهم بشكل كبير فإنهم قد حافظوا على أعيادهم التى راحت تتخلل وتعيش وتتطور معهم رغم تغير نظم الحكم والأسرات الحاكمة والعقيدة واللغة.. من بطلمى لرومانى لعربي، وهكذا أصبحنا أمام العديد من الأعياد المرتبطة بالأطعمة المختلفة: فعيد شم النسيم للفسيخ والخس والملانة والبيض الملون، وعيد الفطر للقرص والكحك والبسكوت والغريبة والتمس، وعيد الغطاس للقصب والقلقاس وسعف النخيل، وعيد عاشورة للقمح والبليلة، والمواسم المختلفة كنصف شعبان ورأس السنة الهجرية للبط والرقاق، والعيد الكبير للحوم، ومولد النبى للحلاوة سمسمية وحمصية والحصان والعروسة
هذه هي مظاهر الأعياد المصرية والأطعمة المصاحبة لها، ومن الواضح أنها مصرية خالصة وانها إبداع خالص للثقافة والحياة المصرية، وإن كانت بعض مظاهرها موجودة فى مكان آخر فقد انتقلت من مصر، فمصر وجدت واستقرت قبل أن نعرف لدول الجوار اسماء…. فما الذى يدفع كتابنا للاستسهال وتقديم مظاهر تلك الاحتفالات على طبق من فضة للفاطميين الذين حكموا مصر قرنين فقط من الزمان… سيكون هذا موضوع المقال القادم غدا إن شاء الله
…. يسعد أوقاتكم

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى