كتّابمفكرون

“يوميات نبى مهزوم يحمل قلما ينتظر نبىا يحمل سيفا”…


“يوميات نبى مهزوم يحمل قلما ينتظر نبىا يحمل سيفا”
—————— صلاح عبد الصبور—————-

هذه يوميتُه الأولى
يأتي من بعدي مَن يعطي الألفاظَ معانيها
يأتي من بعدي من لا يتحدث بالأمثال
إذ تتأبَّى أجنحة الأقوال
أن تسكن في تابوت الرمز الميت
يأتي من بعدي مَن يبري فاصلةَ الجملة
يأتي من بعدي مَن يغمس مدَّاتِ الأحرف في النار
يأتي من بعدي مَن ينعي لي نفسي
يأتي من بعدي مَن يضع الفأسَ برأسي
يأتي من بعدي مَن يتمنطق بالكلمة
و يغنِّي بالسيف

هذا ما خطَّ مساء اليوم الثاني
كهان الكلمات الكتبة
جُهَّال الأروقة الكذَبة
وفلاسفة الطلَّسمات
والبلدان الشعراء
جرذان الأحياء
وتماسيح الأموات
وقعوا في صحن المعبد مثل الدببة
حكُّوا أقفيتهمُ, و تلاغوا كذباب الحانات
لا يعرف أحدهمُ من أمر الكلمات
إلا غمغمةً أو همهمةً أو هسهسةً أو تأتأةً أو فأفأةً
أو شقشقةً أو سفسفةً أو ما شابه ذلك من أصوات
وتسلّوا بترامي الفقاعات
لما سكروا سُكرَ الضفدع بالطين
ضربوا بنعيق الأصوات المجنون
حتى ثقلت أجفانهمُ، واجتاحتهم شهوة عربدةٍ فظَّة
فانطلقوا في نبراتٍ مكتظة
ينتزعون ثياب الأفكارِ المومس والأفكارِ الحرة
وتلوك الأشداق الفارغة القذرة
لحمَ الكلمات المطعون
حتى ألقوا ببقايا قيئهمُ العِنِّين
في رحم الحق
في رحم الخير
في رحم الحرية

هذا ما خطَّ مساء اليوم الثالث
لا أملك أن أتكلم
فلتتكلم عني الريح
لا يمسكها إلا جدرانُ الكون
لا أملكُ أن أتكلم
فليتكلم عني موجُ البحر
لا يمسكه إلا الموتُ على حبات الرمل
لا أملكُ أن أتكلم
فلتتكلم عني قمم الأشجار
لا يحني هامتَها إلا ميلادُ الأثمار
لا أملك أن أتكلم
فليتكلم عني صمتي المفهوم

هذا ما خطَّ مساء اليوم الرابع
لا…لا…لا أملك إلا أن أتكلم
يا أهلَ مدينتنا
يا أهل مدينتنا
هذا قولي
انفجروا أو موتوا
رعبٌ أكبرُ من هذا سوف يجيء
لن ينجيَكم أن تعتصموا منهُ بأعالي جبل الصمت…أو ببطون الغابات
لن ينجيَكم أن تختبئوا في حجراتكمُ
أو تحت وسائدِكم…أو في بالوعات الحمَّامات
لن ينجيَكم أن تلتصقوا بالجدران
إلى أن يصبح كل منكم ظلا مشبوحا عانقَ ظلا
لن ينجيَكم أن ترتدُّوا أطفالا
لن ينجيَكم أن تقصر هاماتكمُ حتى تلتصقوا بالأرض
أو أن تنكمشوا حتى يدخل أحدكمُ في سَمِّ الإبرة
لن ينجيَكم أن تضعوا أقنعة القِرَدة
لن ينجيَكم أن تندمجوا أو تندغموا
حتى تتكون من أجسادكمُ المرتعدة
كومةُ قاذورات
فانفجروا أو موتوا
انفجروا أو موتوا

هذا ما خطَّ مساء اليوم الخامس
– يا سيدنا القادم بعدي ؟
أصففت لتنزل فينا أجنداك ؟!
– لا ، إني أنزل وحدي
– يا سيدنا القادم من بعدي
هل أسرجت جوادك ؟
– لا ، ما زال جوادي مرخى بعد
– يا سيدنا، هل أشرعت حسامك
أو أحكمت لثامك ؟
– لا ، سيفي لم يبرح جفن الغمد
وأنا لا أكشف عن وجهي إلا في أوج المجد
أو في بطن اللحد
– يا سيدنا هل أعددت خطابك أو نمقت كلامك ؟
– لا … كلماتي لا تولد أو تنفد
– يا سيدنا .. الصبر تبدد
والليل تمدد
– أنا لا اهبط إلا في منتصف الليل
في منتصف الوحشة
في منتصف اليأس
في منتصف الموت
– يا سيدنا ، إما أن تدركنا قبل الرعب القادم
أو لن تدركنا بعد

——————ليلى والمجنون ——————–

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Sameer Zain-Elabideen سمير زين العابدين

خريج الكلية الحربية فبراير 1969, أعمل حاليا في النظر حولي وأشياء أخري, عقلي هو إمامي ورئيسي

‫4 تعليقات

  1. “””

    في بلدٍ لايحكُم فيهِ القانون
    يمضي فيه الناسُ إلي السِجنِ بمحضِ الصدفهْ
    ( لا يوجد مستقبلْ )
    في بلدٍ يتمدَّد في جثتهِ الفقرُ ، كما يتمدَّد ثعبانً في الرملْ
    ( لا يوجد مستقبلْ )
    في بلدٍ تتعري فيه المرأة كي تأكلْ
    ( لا يوجد مستقبلْ)

    “””

    ***

    [ ليلى والمجنون]/

    لصلاح عبد الصبور..

  2. دوما اشير إليها ، وتلح على ذاكرتى فهى أصدق تعبير عن أوضاعنا ونحن نتطلع إلى غد أفضل
    رحم الله الشاعر العظيم صلاح عبد الصبور ، وكأنه لايزال واقفا معنا ينشدنا أشعاره ويشد من أزرنا

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى