كتّاب

الأمير يشعر بالملل | صحيفة الاستقلال


الأمير الذي ليس لديه ما يشغله صنع لنفسه وحوشاً وأعداء وراح يضربهم بسيفه ورمحه. تتحدث تقارير كثيرة عن نشاط الإمارات في دعم التيارات الراديكالية، وإصرارها على زعزعة الاستقرار السياسي في عديد دول. الحاكم لا يرى أي شيء من ذلك، فقد رأى الطواحين على هيئة وحوش، وقطعان الماعز على شاكلة جيوش، وقرر أن يهزمهم. تماماً كما فعل دون كيشوت من قبل..

فبعد أن خرج سيرفانتس من سجن الملك ذهب يكتب “دون كيشوت”، مستحضراً الحاكم التافه الذي يملك كل شيء وليس لديه ما يفعله ويثيره. راح دون كيشوت، كما تخيله سيرفانتس، يبحث عن الأعداء حتى يجد لحياته معنى ولمّا لم يجدهم تخيلهم. رأى الأشياء التي لا وجود لها، ووقف أمام سرب من النعاج وراح يشتبك مع كل ذلك بسيفه معتقداً أنه يواجه جيشاً من الغزاة. وفي نهار يوم من أيام أسبانيا رأى بيتاً صغيراً لراعي أغنام، ربما، فراح يركض أمامه بخيله ويصوب عليه الرمح قبل أن يسقط أرضاً. لقد رآها واحدة من قلاع العدو.

دار أكثر من مرة، شاهراً سيفه، أمام الطواحين الهوائية التي تخيلها وحوشاً عملاقة بأذرع طويلة. أثار كيشوت الحزن والضحك معاً، لكنه وجد لحياته معنى، حتى إنه رسم امرأة على لوحة وانتظرها في نهاية معاركه. ربما كان كيشوته هو الملك في ملاله وفقدانه للمعنى، في تخيله للوحوش والمخلوقات العملاقة، وفي عثوره على لذته الخاصة في نهاية المطاف عقب تلك المعارك المتخيلة.

ما يخلقه النظام الإماراتي من اضطرابات وحروب صغيرة يقع كلياً خارج أي سياق ممكن للاستراتيجيا. اللعبة مسلية، والرجل لا يملك الكثير من التسلية، وهو في الستين من عمره ولم يجد المعنى بعد. يتنقل بين المعارك والحلفاء بخفة، ذلك أن بعض ألعابه تفقد مع الأيام قدرتها على إثارته. اللعبة اليمنية مثيرة، وقد كلفته الكثير. في بعض مراحلها استطاعت أن تأخذه إلى حافة مقعده وهو يتابع تفاصيلها. استدعى الطيارين فحدثوه عن الأهداف الأرضية التي كانوا يمحونها من ارتفاعات شاهقة، عن اليمن لحظة تحوله إلى دخان.

إنها لعبة أكثر إثارة من بناء الأبراج العالية، تلك اللعبة التي شاهدها مراراً منذ طفولته ولم تعد تبهج أحداً من العائلة. كَتبنا عن تطلعاته الاستعمارية، عن هوسه بالبحار، عنه وهو يقتفي آثار مملكة الأمواج. بالغنا كثيراً في تخيل مآزقه الوجودية. ربما كان الولَدُ يعلب وحسب، يثير نفسه ويجد في تلك الإثارة معنى. فالحرائق التي يخلقها بحماس منقطع النظير هي ما تبقى له من ضروب التسلية. قال أحد رجاله إنه يشعر بنشوة عارمة عندما تصفه وسائل الإعلام بعدو الإخوان المسلمين. يتعلق الأمر بالنشوة، بتلك اللعبة التي تبهج أولئك الذين يملكون المال ويعيشون في ملل.

م.غ.
——-

المقالة كاملة في صحيفة الاستقلال على الرابط:

الأمير يشعر بالملل | صحيفة الاستقلال

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى