مجتمع الميم

عن “إدمان الجنس” و”السلوك الجنسي الخارج عن السيطرة” – My Kali Magazine


English

بقلم: السيدة عسل
ترجمة: هبة مصطفى
العمل الفني: لينا
هذا المقال ملحق بعدد عقدة الواوا

يتسلل طارق إلى الحمّام بعد أن يخلد شريكه للنوم؛ فعلى الرغم من علاقتهما الطويلة والمليئة بالحب، إلا أنه كان يستمني كل ليلة وهو يشاهد مقاطع الدياثة الإباحية؛ فهو يجد الخضوع مثيراً، لكنه يخشى أن يُنظر إليه على أنه يفتقر إلى الرجولة أو منحرف جنسياً، وفي إحدى الليالي، عاد إلى المنزل ليجد شريكه ممسكاً بجهاز الأيباد الخاص به ودموعه تسيل على خديه، وقال له: “أنت مدمن للجنس”، وهكذا انفضح سره، ليغمره إحساس بالخزي والعار.

تعلّم معظمنا أن الجنس “يجب” أن يكون بين رجل وامرأة، وأن ينطوي على الإيلاج، وأن يحدث في إطار علاقة أحادية (أو علاقة تسير في هذا الاتجاه)، وغالباً ما يوصف السلوك الجنسي الذي لا يتناسب مع الأنظمة أو القواعد بأنه “غير أخلاقي”، أو “شاذ” أو ناتج عن “الإدمان”، وينطبق هذا بصفة خاصة على الحالات التي يكون فيها الجنس مصدراً للصراع الثقافي أو من المحظورات وعندما لا يكون هناك تثقيف بشأن السلوك الجنسي الصحي، وعندها يكون موصوماً بالعار أو مدفوعاً بالأفكار “الأبوية”.

وصف أحدهم/إحداهن بأنه “مدمن/ة للجنس” أمر إشكالي، مع ذلك؛ فهذا الوصف يشتت الانتباه عن جوهر المشكلة في العلاقة، الذي يتمثل في حالة طارق في تفضيله الجنسي غير التقليدي1 وخوفه من مشاركته مع شريكه، والسر والعار المصاحب يجعلان من الأسهل قبول هذا الوصف، ومن ناحية أخرى، قد يشخّص الأشخاص الذين لديهم/ن تفضيلات جنسية غير تقليدية وفيتيشات2 معينة أنفسهم/ن بأنهم/ن “مدمنون/ات للجنس” بدافع من الإحساس بالعار، حتى وإن سلوكهم/ن تحت السيطرة.

بمجرد اعتماد هذا الوصف كهوية، فإنه يضع الأشخاص في موضع يضطرون/يضطررن فيه إلى مقاومة جنسانيتهم/ن لبقية حياتهم/ن، ويستكشف هذا المقال الجانب الضار لوصف “مدمن/ة الجنس” ولماذا اعتمد الكثير من الأطباء/الطبيبات عبارة “السلوك الجنسي الخارج عن السيطرة” بدلاً منه، ولأن حوالي 88% من الأشخاص الذين/اللاتي يسعون/يسعين للحصول على علاج لإدمان الجنس هم من الرجال، فسيركز المقال على أصحاب الأجساد الذكورية.

“إدمان الجنس”
يجمع مصطلح “مدمن الجنس” مجموعة من الأشخاص تحت المظلة ذاتها على الرغم من اختلاف سلوكياتهم، ونزعاتهم، وميولهم، ودوافعهم، ورغباتهم، وقد ظهر هذا المصطلح في الفترة بين أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات، وقد استخدمه الداعمون الأوائل له لمعالجة “الأمراض” المزعومة، مثل المثلية الجنسية، والعلاقات متعددة الشركاء، والسلوكيات غير الممتثلة للمعيارية المغايرة3 والحكم على مرتكبي الجرائم الجنسية بالخضوع للعلاج كجزء من الأحكام القضائية الصادرة ضدهم، واُستخدم المصطلح أيضاً لوصف التصرفات القهرية والخارجة عن السيطرة، مثل مشاهدة الأفلام الإباحية أو إدمان الاستمناء.

ونظراً لأن عوامل مثل التدين والجنسانية غير الغيرية قد ترتبط بالتصور السلبي للفرد للإباحية، أو الاستمناء، أو الرغبة، أو الجنس، فقد تكون مؤشراً على كيفية تصور الأشخاص لجنسانيتهم/ن وما يدفعهم/ن إلى الإبلاغ عن شعورهم/ن بعدم تنظيم مشاعرهم أو عدم القدرة على السيطرة عليها

ويجب أن تكون النُهُج السريرية والتشخيصية معقدة بقدر تعقيد الجنسانية وتنوعها، ولا يحتوي الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية4 حالياً على تشخيص رسمي لـ “إدمان الجنس”، ويقول الأطباء/الطبيبات إنه لا توجد أبحاث كافية لوصف هذا “الإدمان” بـ “المرض”، وقد تغيرت المواقف المحيطة بمصطلحات الجنسانية ونظرياتها تغيراً كبيراً بسبب تغير المواقف الاجتماعية؛ فعلى سبيل المثال، كانت النسخة الأولى من الدليل تصنف الاستمناء على أنه مرض عقلي.

واليوم، يتساءل المعالجون/ات عما إذا كان هذا تشخيصاً سريرياً مفيداً على الإطلاق وعما إذا كان سلوك “مدمنو الجنس” قهرياً أم أنهم أفراد إيجابيون تجاه الجنس ولديهم رغبات جنسية أعلى وإحساس بالعار أقل من الأشخاص العاديين؟

ولأن النموذج التقليدي مَرضي المنحى ويركز على قضايا تشمل الشهوة، والتحكم في الاندفاعات، والذنب، والعار، فإنه ينتهي إلى تصنيف الكثير من السلوكيات غير الإشكالية على أنها أمراض؛ فقد اعتبره باتريك كارنز، الذي صاغ مصطلح “مدمنو الجنس”، لم يتلق أي تدريب على الجنسانية وكان لديه نظرة ضيقة لما يشكل سلوكاً جنسياً صحياً، إدماناً، وبالتالي، ينتهي الأمر بالعديد من الأطباء/الطبيبات – المنفصلين/ات عن فهم الزمن، أو السياق، أو الاختلافات الثقافية – إلى جلب تحيزاتهم/ن ومفاهيمهم/ن عن “الصحة” و”الخلل الوظيفي” أثناء التشخيص والعلاج، لا سيما من ليس لديهم/ن خلفية في مجال الجنسانية.

يركز نموذج علاج “إدمان الجنس” على برنامج من 12 خطوة، مثل برامج علاج إدمان الكحول والمخدرات، ويستخدم إطاراً دينياً وليس طبياً، ويستفيد أقل من 10% من الأشخاص الذين/اللاتي تتم إحالتهم/ن إلى هذه البرامج منها، وهناك أضرار محتملة يمكن أن تنشأ عن ذلك5 ، وعلاوة على ذلك، فإنه يركز على “علاج” الأشخاص من سلوكهم/ن القهري لدرجة عدم فهم أن السلوكيات الجنسية الإشكالية قد تكون عَرَضاً يدل على وجود مشكلات أخرى أو تشكل آلية للتأقلم معها، فعلى سبيل المثال، غالباً ما يكون الجنس والمواد الإباحية وسيلة يتعامل بها الذكور مع المشاعر السلبية 6 أو يعاني غالبية “مدمني الجنس” الذين يعرّفون أنفسهم على هذا النحو من اضطرابات قابلة للتشخيص، مثل القلق والاكتئاب7.

يجب أن يدرك الأطباء/الطبيبات أن البعض يسعون للحصول على علاج لـ “إدمانهم” لأن سلوكياتهم قد تواجه معارضةً من شركائهم أو البيئة التي يعيشون فيها، وليس لأنها غير صحية، وقد لا يتمكن الشخص من استكشاف ممارسات معينة مع شريكه/شريكته، مثل طارق ومشاهدته لمقاطع الدياثة الإباحية، أو قد يعتقد أن رغبته في ممارسة الـ “بي دي إس إم”8 معطلة لأنه لا توجد مساحات لاستكشافها؛ فغياب الانفتاح، أو الحيز، أو التواصل يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالعار، والميل إلى التعامل مع هذا الأمر من منطلق ثنائية الجاني/الضحية عند العمل مع الأزواج لا يفتقر إلى التعاطف فحسب، بل يضع المعالج/ة في موضع تنظيم ديناميكيات “ثابتة” بالفعل في العلاقات، ويجب عدم رفض هذه الديناميكيات أو التغاضي عنها؛ لأن، مثل كل شيء آخر، هناك أسباب أو توترات كامنة، مثل الإجهاد، والنفور من التفضيلات الجنسية، وتجاوز لحظات الخيانة، إلخ، وبدلاً من تأييد هذا التفكير الثنائي، يجب أن يسمح العلاج  بمشاركة المسؤولية والمزيد من التواصل.

“السلوك الجنسي الخارج عن السيطرة”
يميل العديد من الأطباء/الطبيبات اليوم إلى استخدام مصطلح “السلوك الجنسي الخارج عن السيطرة”، الذي اقترحه براون-هارفي وفيغوريتو9؛ فالطريقة التي نصف بها الأشياء تحدد العلاج واستجابة العميل، وفي حين أن مصطلح “إدمان الجنس” ينطوي على السلبية والعار ويحوّل الانتباه عن القضايا الأساسية، فإن النهج الوصفي للسلوك الجنسي الخارج عن السيطرة يوجّه الانتباه نحو الشعور بالخروج عن السيطرة، وفي حين أنه من غير المحتمل أن يكون أي وصف ملائماً أو فعالاً بما فيه الكفاية لوصف مجموعة واسعة من السلوكيات والدوافع، فإن هذا النهج يسمح لأطباء/طبيبات الصحة الجنسية بالتعامل مع عملائهم/ن بطريقة فردية تحدد قضايا الصحة النفسية الأساسية، والصراعات الأخلاقية وداخل العلاقات، والعوامل الأخرى التي تساهم في مشكلة السلوك الجنسي التي يواجهونها وتعالجها.

يركز مصطلح “السلوك الجنسي الخارج عن السيطرة” على الشعور بالخروج عن نطاق السيطرة بتجاوز الطبيعة التعسفية “القابلة للقياس” لتصنيف الإدمان، ولا يبدو أن العديد من الأشخاص الذين يعرّفون أنفسهم بأنهم مدمنون للجنس ينخرطون في سلوكيات جنسية أكثر من الآخرين، لكن الرجال الذين يرون أن سلوكياتهم ورغباتهم الجنسية تتعارض مع أخلاقهم من المحتمل أن يذكروا أكثر من غيرهم بأن سلوكهم الجنسي خارج عن السيطرة10،  ونظراً لأن عوامل مثل التدين والجنسانية غير الغيرية قد ترتبط بالتصور السلبي للفرد للإباحية، أو الاستمناء، أو الرغبة، أو الجنس11، فقد تكون مؤشراً على كيفية تصور الأشخاص لجنسانيتهم/ن وما يدفعهم/ن إلى الإبلاغ عن شعورهم/ن بعدم تنظيم مشاعرهم أو عدم القدرة على السيطرة عليها.

العمل الفني: لينا

ما الذي يسبب لهم الضيق بشأن رغباتهم وسلوكياتهم أو عدم القدرة على السيطرة عليها؟ الاكتئاب، والاضطراب ثنائي القطب، وعدم القدرة على تهدئة الذات، وعدم الرغبة في الاعتراف بالميل الجنسي، والخوف من الحميمية، والمحاولات اليائسة للبقاء في علاقة يكون فيها الجنس غير مُرض، إلخ، وعندما يستكشف المعالجون/ات هذه العوامل أثناء العلاج، وكذلك المواقف الأخلاقية “الأساسية” التي يتبنونها، فإنهم/ن يدركون /يدركن أن كل فرد يعرّف “السلوك الصحي” بطريقته/ا، ويجب أن يعملوا/يعملن مع المريض/ة بدلاً من التعامل مع تشخيصهم/ن الذاتي باعتباره حقيقة، فكما يذكّرنا براون-هارفي وفيغوريتو، سيكون من الغريب أن يقول مريض/ة ما “أنا مصاب/ة بالسرطان” فيجيبه الطبيب/ة ببساطة “حسناً، على الأقل ليس علينا إجراء كل هذه الفحوصات، فلنبدأ العلاج”.

وبدلاً من التركيز على قمع السلوك غير المرغوب فيه، وهو ما يمكن أن يسبب ضرراً اجتماعياً وشخصياً، يتبع نموذج السلوك الجنسي الخارج عن السيطرة نهجاً شاملاً لتطوير مهارات التأقلم واستراتيجيات حل المشكلات وتعزيزها، وهو يعتبر الجنس والجنسانية شيئين إيجابيين، وصحيين، ومفيدين بدلاً من كونهما شيئين مخزيين، ويستحدث “ستة مبادئ للصحة الجنسية” لمناقشة أساس صحي للتفاعل الجنسي يتمثل في الصدق، والقيم المشتركة، والمتعة المتبادلة، والتراضي، وعدم الاستغلال، وغياب العدوى المنقولة جنسياً أو الحمل غير المرغوب به12، ويتيح هذا الإطار للأشخاص بناء رؤيتهم/ن  للعلاقة الجنسية المثالية والعلاقات المتجذرة في السلامة والمتعة، ويوجههم/ن لاتخاذ خيارات مستنيرة وتحمل المسؤولية.

يدمج الأطباء/الطبيبات الذين/اللاتي يستخدمون/يستخدمن مصطلح السلوك الجنسي الخارج عن السيطرة مجموعة من العلاجات للمساعدة في علاج المشكلات الأساسية أو المشتركة، وقد يشمل هذا مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية 13 لعلاج القلق أو الاكتئاب، والعلاج المعرفي السلوكي14 لإدمان الإنترنت، أو الرهاب، أو الصدمات، والتمارين التي تركز على الصدق والتواصل الصحي لمن يسعون للحصول على علاج الأزواج مع شريك/ة أساسي/ة، لكن معظم العمل يتطلب إعادة التثقيف الجنسي ورفض الأشياء الضارة التي تعلموها عن الجنس، و”العلاقات الصحية” ليست مجرد علاقة أحادية أو طويلة الأمد؛ إذ يمكن أن تتخذ أشكالاً متنوعة، بما في ذلك كونها قصيرة الأمد، أو متعددة الشركاء/الشريكات، أو كويرية، أو غير إيلاجية.

الخاتمة
يتبع الأطباء/الطبيبات الخبراء/الخبيرات في السلوك الجنسي الخارج عن السيطرة نهجاً أكثر شمولية، حيث ينقلون/ينقلن التركيز من الفعل إلى الشعور بالخروج عن السيطرة؛ فالشعور بالخروج عن السيطرة ليس مثل الخروج عن السيطرة، ومن خلال التقييمات والفحوص الشاملة للصحة النفسية، والرضا الجنسي، والتاريخ الطبي، والسياق الاجتماعي للمشكلات الجنسية المُبلغ عنها، يمكنهم/ن فهم محنة السلوك الجنسي الخارج عن السيطرة وكيفية تأثيرها على العمل/العلاقات فهماً أفضل.

يساعد نفي صفة الوصم عن السلوك الجنسي، أي رؤيته على أنه مرتبط بهذه العوامل الأخرى، المرضى/المريضات على الانتقال من الشعور بالخزي إلى فهم العوامل الحياتية الأخرى – سواء كانوا/كنّ يستخدمون/يستخدمن الاستمناء لتهدئة ذاتهم/ن، أم أن ميولهم/ن الجنسية أكثر توافقاً مع تعدد الشركاء/الشريكات، أم أن رغباتهم/ن لا تتوافق مع رغبات شركائهم/ن، ويتيح لهم/ن استحضار مبادئ المساعدة الجنسية والتثقيف الجنسي، بدلاً من التحكم في الرغبات أو إطلاق الأحكام عليها وفقاً للنموذج التقليدي لـ “إدمان الجنس” بالتصالح مع هذه الرغبات والتوجه إلى موضع يشعرون/يشعرن فيه بأنهم/ن أقل خروجاً عن السيطرة.

يتيح الابتعاد عن هذه المفاهيم الأخلاقية للسلوك الجنسي (غير) التقليدي والتعبيرات الصارمة عن الحياة الجنسية أيضاً للشركاء بالشعور بالأمان، مما يسمح بمزيد من المتعة ويسمح بفهم أكثر شمولاً للجنسانية يحتفي بالمتعة والتواصل بين جميع الشركاء ويرفع مستواهما.



Source link

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى