كتّاب

ما حدث في تركيا في الأيام الماضية لم يكن عُرسا انتخابياً، كما يحلو للمهزومين في …


ما حدث في تركيا في الأيام الماضية لم يكن عُرسا انتخابياً، كما يحلو للمهزومين في الحواضر تسميته. كانت عملية بطولية لاستعادة الديموقراطية في بعدها الليبرالي، وكانت الطبقة الوسطى المتعلمة والمنتجة هي بطلة تلك الاستعادة. في النسوات الماضية أبعدت تركيا، في التصنيف المعرفي/ الأكاديمي، من قائمة الدول ذات الديموقراطية الليبرالية وألحقت، بدلاً عن ذلك، بقائمة الديموقراطيات الشعبوية/ غير الليبرالية، مثل هنغاريا وبولندا ورومانيا. انضمت إليها، مؤخراً، البرازيل والنمسا.

في الديموقراطيات غير الليبرالية يسقط المجال العام في قبضة الـ Strong men، أو الرجال الأقوياء، ويكتسب أولئك قوتهم على حساب المؤسسات. ومن خلال عمليات “إصلاح” مؤسساتي مستمر، وفي المقدمة: إصلاح قضائي، تصبح المؤسسات أقل هيمنة، ويملأ المشهد: الرجل القوي. قالت نتيجة استطلاع شملت الشبيبة بين ١٨ ـ ٢٨ عاماً في ألمانيا، قبل أسبوعين، إن واحداً من كل أربعة يتمنى عودة ألمانيا إلى زمن الرجل القوي. كانت النتيجة مقلقة لدرجة إن صحيفة كبيرة مثل ديتسايت، وضعت عنواناً مثيراً للخبر بعنوان “Wie bitte!، ويمكن ترجمته عربياً بهذا التهكم: نعم يختي!”. ثمة موجة يمينية زاحفة في كل مكان، في الديموقراطيات الناشئة والراسخة على السواء. ، الناخبون الأتراك حاولوا صدها في بلدهم. هذه هي الإشارة الأكثر أهمية في الانتخابات التركية.

ثمة تقديرات تذهب إلى أن المناطق التي خسرها أردوغان هي حواضر تساهم بحوالي ٧٠٪ من اقتصاد تركيا. وهذه النتيجة، وإن لم تكن بالغة الدقة، ليست بلا معنى. فقد وجدت الطبقة الوسطى والمنتجة نفسها أمام شكل للديموقراطية يتجه بعيداً عن احترام الحقوق والحريات والأقليات، ولا يسمع فيه سوى صوت “الأخ الكبير”، ونداء “وزارة الحقيقة”، بالصورة الأورويلية Orwellian المهيبة كما تخيلها وتخيلناها.

علق أردوغان على الحادث الإرهابي الذي وقع في نيوزيلاندا قائلاً “نقول للأستراليين الذين يكرهون الإسلام سنعيدكم إلى بلدكم بالأكفان كما فعلنا مع أجدادكم في معركة كاليبالي سنة ١٩١٥”. أطلق هذا المانيفيستو أمام حشد من مؤيديه يستعدون للذهاب إلى صناديق الاقتراع بعد أيام، ضارباً عرض الحائط بكل الأخلاقيات والقواعد التي تحكم المجال السياسي عالمياً. أما نظيرته “الديموقراطية الليبرالية” فبدلاً من الحديث عن حرب مع الأتراك فقد ارتدت الحجاب وذهبت إلى الشواع تحتضن المسلمين وتستمع معهم إلى أذانهم، وتسمي الجريمة “عدوان على نيوزيلاندا”. هذا مشهد مفرد يشرح، بطريقة العمل، الفرق بين ديموقراطية الرجل القوي، الديموقراطية ذات المنزع الفاشوي، والديموقراطية الليبرالية، ديموقراطيات المؤسسات والسياسات.

يجدر بكل شخص ديموقراطي أن يرفع القبعة للناخبين الأتراك وهم يلحقون هزيمة بالرجل القوي، يفعلون ذلك دفاعاً عن القيمة الليبرالية التي هي البعد الجوهري لمعنى أن تكون ديموقراطياً. فالرجال الأقوياء، من منغوليا حيث يعبث الرئيس الثري بتعاقده مع الناخبين ويتجه يمينا، إلى البرازيل، حيث يهيمن الرجل الذي أطلقت عليه الصحف الأميركية صفة “ترامب المناطق الحارة”، يصرون على تحويل الديموقراطية إلى مجرد عملية كرنڤالية لعد الأصوات.. بما ينطوي عليه مثل هذا الانزلاق من مخاطر حروب ونزاعات ولا استقرار داخلي وخارجي.

م. غ.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫42 تعليقات

  1. في وجود الديمقراطية فإن المناطق الحضرية تستفيق سريعا وتدرك واجبها وكارثية السير خلف تجييش العامة لمواجهة أعداء مفترضين فلا تستمرفي الاستجابة للطقطقة طويلا

  2. الرجل القوي أو المتسلط
    اعتقد الرجل القوي ظاهره جيده ان استخدم قوته في تثبيت الديمقراطيه الليبراليه مثل رئيس وزراء كندا او حتى رئيسة وزراء نيوزيلاندا هي قويه بصوره ايجابيه

  3. يا رجل، اهدأ شوية. تركيا هذه قبل ثلاث سنوات كان سيحصل فيها انقلاب بمباركة أمريكية أوروبية، فلا تختزل الأمر في اللبرالية. وحولها الشرق الأوسط بتقلباته.

  4. عندما تكون الليبرالية غطاء تتدثر به الأقليات العرقية والدينية فإن الأمر لا يكون كما صورته..
    الدول الغربية دول مستقلة ولا توجد بها أقليات مرتبطة بأحلاف أجنبية تحاول فرضها على الشعوب سواء بصندوق الانتخاب او صندوق الانقلاب

  5. يستحق اردوغان تلك النتيجة ، فتصريحاته اصبحت مثيرة للقلق العام في تركيا وحتى لمن اعجبوا بالتجربة التركية القريبة من هوى كثير من رواد تيار الاسلام السياسي، لكن ايضا المشكلة في تركيا ان الاقليات التي لم يحترم حقها اردوغان تكتلت بشكل واضح ليس لاجل الديمقراطية و لكن كردة فعل… فالاكرتد في اسطانبول الذين اعطوا حزب الشعوب الكردي عام 2018..
    ، 12%
    لم يصوتوا لحزبهم هذه المرة بل ذهب كل اصواتهم لتحالف المعارضة في تكتيك ذكي لمعاقبة اردوغان على تحالفه مع القوميين المتشددين ..
    كما ان الكتلة النصيرية لاتزال محتفظة بوحدتها في التصويت ىللحزب الجمهوري المعقل الاساسي لتلك الطائفة التي تكون 28% من سكان تركيا .. وهذه امور حتى الان لم يستطع اردوغان فهمها وتجاوزها ..بسبب خطابه و فكرته الشعباويين ..

  6. تقيء انشائي بعيد كل البعد عن الواقع..،
    كلامك تعريض لا اقل ولا اكثر، وليس مفهوم منه شيء على ارض الواقع..،
    هذه هي لعبة الديمقرتطية يوم لك ويوم عليك..،
    وليش الشعوب ارتضت الديمقراطية واحتكمت للصندوق الا لاجل المنافسة على تحسين الخدمة للشعب.

  7. تابعت نتائج الإنتخابات التركية، مذهلة جدا، جعلني هذا أشعر بالإطمئنان على مستقبل تركيا، لأن مؤشر الديمقراطية فيها أخذ بالارتفاع مقارنة ما كان عليه في السنوات الماضية.
    في السياسة، لو تريد أن تعرف ما اذا كانت دولة ما تسير نحو الهاوية او ناحية القمة، يكفي أن تشاهد مؤشر الديمقراطية داخلها. لأنه بحسب مبادئ السياسة، يكفي أي دولة أن تفقد الديمقراطية في البداية، لتتهاوي كل مقدراتها بعد ذلك. عالميا، نجد في الوقت الذي تنهار الديمقراطيات في العالم الغربي خصوصا الولايات المتحدة الامريكية؛ فإن تركيا، تسجل أعلى مستوياتها، الأمر الذي يبشر بميلاد قطب عالمي جديد، يحمل بذور القوة السياسية التي تؤهله لدخول المعترك الحضاري العالمي، والمنافسة على سيادة العالم الجديد، الذي بدأت ملامحة تتشكل، وبذوره تنمو ببطء، لكنه لا شك، قادم.

  8. جرت في تركيا أربعة انتخابات محلية.. انظر زيادة أصوات العدالة منذ 2004م وحتى هذا العام 2019م
    1 : في عام 2004م حصل على 38 % من الأصوات
    2 : في عام 2009م حصل على 41 % من الأصوات
    3 : في عام 2014م حصل على 43 % من الأصوات
    4 : في عام 2019 حصل حزب العدالة على 44 % من الأصوات
    * نﻻحظ زيادة متواصلة في شعبية الحزب
    * و حصل حزب العدالة مع حليفه الحركة القومية MHP على 51.63 % من الأصوات
    * التحالف المعارض لهما حصل على 37.55 % من الأصوات
    * العدالة و التنمية Ak Parti خسر في أنقرة و استانبول و أنطاليا (رئاسة البلدية) فقط لكنه فاز في المجالس البلدية فيها؛ أي أنه فاز ببرلمانات تلك المدن الكبرى.
    الدنيا عوافي بلا ليبرالية ولاأخواتها.!!!

  9. أكبر نسبة أصوات حاز عليها العدالة والتنمية في البلديات في هذه الإنتخابات ٤٤%
    وخسارته لرئاسة البلديات في انقرة واسطنبول لايعني أنه لم يفز ب اكثر من ٨٠% من مجمل المقاعد البلدية فيها .. وهذه هي الديمقراطية بالضبط .

  10. اسمح لي أقول لحضرتك
    رغم ما في كلامك من واقعية سياسية ومنطق يدعو للتعامل مع الديمقراطية بمعايير عالمية وقبول بكل ما فيها من ربح وخسارة تخضع للبرامج وعمل مؤسسات الدولة بكل احترافية واحترام لصالح المواطن أيا كان توجهه او جنسه او ميوله وأيدلوجيته، الا اني وجدت فيه شماته لا تتماشى وروح الديمقراطية وفضيلة التنوع والاختلاف الحضاري لشعوب العالم وثقافاتها وخلفياتها المتعددة !!! التي تدعو اليها في مقالك الطويل !!!

  11. طيب وليش ما تكتب عن تشبث مايا في الكرسي رغم فشلها سياسيا وانها من المفروض تذهب بعد كل ما منيت فيه من فشل تلو فشل
    اقل شيء اكتب حاجة عنها حتى عن العنق… بس

  12. استعادة الديمقراطية عن طريق التلاعب بالنتائج

    لا مستقبل باااااهر ههههههههه

    نفس من يريدون العودة اليوم كانوا سببا في تكريس الديكتاتورية وانتهاك حقوق الإنسان سابقا

  13. طيب بالله عليك “رجل قوي ” ماحصلت لها مقابل في العربية رحت تكتبها بالانجليزي Strong men طيب الأخ الأكبر ليه ما ترجمتها البيج براذر وماذا عن الصورة الأورويلية
    أدري انك تشير لرواية جورج ارويل 1984 وبطلها الأخ الأكبر اللي كان يرمز فيه للغرب أو أمريكا لكنها مقحمة على النص دون معنى.

  14. كلامك كاد ان يصيب كبد الحقيقة
    لو ان خسارة العدالة والتنمية شملت بلديات المدن الكبرى
    بمعنى آخر قد يكونوا اخفقوا في اختيار الشخصية المناسبة الأكثر للترشح في تلك المدن الثلاث

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى