كتّاب

إن الأشياء العظيمة، تبدأ بحلم، والحلم حين يتحقق يصبح…


إن الأشياء العظيمة، تبدأ بحلم، والحلم حين يتحقق يصبح معجزة.

في ليلة بعيدة، قالت لي جدتي عليها السلام، إنها رأت في منامها عصافير تطير من بين دفاتري التي كانت مبعثرة في زاويتي بمنزلها، ومنزل جدتي تاء القرية، تنتهي به قريتنا وتبدأ منه القصيدة، يقف كحارس السماء، تحته الضباب، ولا شيء بعده إلا انحناء الجبل للبحر، واعتناق الشمس والماء والشاطيء والأفق في مرايا الغروب..
منزل من خشب وزنك وصلوات وحكايا، فيه قهوة قشر على النار وجرة فخار تحت الشجرة رواء للعابرين، وفيه أثير إذاعة صنعاء ورحاب المسجد الحرام، وفيه ملامح آلاف الوجوه وروح جدتي، وجدتي أسطورة من قبل الأساطير، خلقت من نفسها وخلقتنا من خيالها ومن القصص الخارقة للملائكة والرسل والأولياء والشياطين والرعيان والتائهين والبدات..
وهناك، كانت جدتي تحرث أرض القصيدة وتلقي البذور في مخيالها، كأنها أسطورة تأخذ طفلها إلى خلدها الأبدي.

في الربيع أزهرت شجرة جدتي من هتافات الحرية في شوارع صنعاء، وأثمرت قصائد وأغاني ومُعجبات ورفاقاً وسُبُلا وشوكا وحاسدين وأحبة وأطفالا، ولا تزال الشجرة تعلو والزهر يحلو والعصافير تطير من بين أوراقي كما رأتها جدتي قبل أن أهتدي إلى عش الغيب وأقوم بتطيير العصافير والحزن والذكرى.

لقد ماتت جدتي في مثل هذا اليوم في مطلع 2014..
ماتت ولم تمت، فهي وإن كانت في مرقدها الأخير، باقية في ذاكرتي وفي خلد قصائدي.. ماتت فخورة بي وقد رأتني شاعرا وغيابا، وهي اليوم أكثر فخرا ومحبة وقربا.

لي مع جدتي قصة طويلة، سأحكيها يوما وفيها الكثير من دهشة الحاجة شوعية بنت صالح..

هذه الصورة الوحيدة لجدتي وهي في لحظة تصالح مع كائناتها، أخذتها في آخر لقاء قبل أشهر من الرحيل، ولم يكن يخطر في بالي أنني لن أراها ثانية إلا من خلال الصورة، وزياراتها الدائمة في مناماتي.


يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

عامر السعيدي

أغنية راعي الريح

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى