كتّاب

:: السياسة © جميع حقوق النشر محفوظة 2014 | Al SEYASSAH Newspaper::


تحدث الكاتب مروان الغفوري إلى صحيفة السياسة الكويتية حول كتابه الأخير”هروب الفتى عاري الصدر” وحول مجمل أعماله، وموقفه من الثورة والمجتمع والدين والموت. أجرت اللقاء الصحفية المصرية أمل زيادة..

ـــــــــ

اليمن إلى أين من وجهة نظرك كمثقف ولك إحتكاك بالشأن السياسي؟

اليمن يمر بطور من زعزعة الاستقرار لأجل الوصول إلى الاستقرار. شعوب لا تحصى، في هذه الأرض، مرت بالصورة نفسها. حتى أميركا نفسها. عندما أقرأ عن الحرب الأهلية ١٨٦١ ـ ١٨٦٥ في أميركا، أهمس لنفسي: الآن، الدور علينا. من المثير أن يقول الرئيس الأميركي، آنذاك، لمؤلفة رواية “كوخ العم توم”: انظري، لقد اشعلت روايتك هذه الحرب.
وكانت روايتها حول الظلم والعدالة.
ـــــ

هل ما يحدث في الدول العربية ربيعاً عربياً أم خريفاً يدفع ضريبتة الشعوب ويجني حصاده الغرب والحكام العرب ؟
بل ربيع عربي، يشبه “ربيع الشعوب الأوروبية” في الفترة من ١٨٤٨ وحتى ١٨٥١. انهار ربيع الشعوب الأروبية ذلك، لكن الأمم الأوروبية بقيت، وجددت محاولاتها. وها هي ماثلة للعيان، في زمن ما بعد الحداثة السائلة.
ــــ

كيف ترى المستقبل العربي في ظل فوضى المعلومات ؟
تغير التكنولوجيا كل شيء، وتخلق عالماً جديداً كلياً. بحسب ما أفهمه من حركة التاريخ، فالإنسان يصعد، ويصنع حياة أفضل. قبل مائة عام أكل السل الرئوي نصف فناني العصر الكلاسيكي، بمن فيهم تشيخوف وكافكا. وقبل أربعمائة عام أكل الجذام كل معالم الحياة، وفي باريس لوحدها كان هناك أكثر من ألفي “معسكر اعتقال” للمصابين بالجذام. أصبح كل ذلك جزءاً من الماضي. لن يتوقف الإنسان، لن يوقفه شيء.

ـــــــ

من هو مروان الغفوري ؟
ـ مروان الغفوري كاتب ينتمي إلى ثلاثة بلدان. درس التاريخ والأدب في اليمن، وعاش مع الشعر والطب في مصر، وعندما وضع أقدامه على ألمانيا قبل أعوام بدأ في كتابة الرواية.
منحتني اليمن إحساسا كثيفاً بالتاريخ، ودلتني مصر على الشعر، أما ألمانيا المعقدة والساحرة والمركبة فألهمتني الرواية.
ــــــ

حدثنا عن أعمالك وأقربهم إليك ؟
ـ كتبت مجموعة من الأعمل، تصل في مجموعها إلى عشرة كُتب: في السياسة والثقافة والرواية والشعر. من ثلاث مجموعات شعرية نشرتُ عملين. ومن خمس روايات نشرتُ أربعة أعمال. لا تزال لدي بعض الأعمال الجاهزة، أبحث لها عن ناشر. وفي المقدمة منها ذلك الكتاب الذي أحبه أكثر من كل أعمالي: كتاب هيلين.
عندما أخبرتني زوجتي أنها حامل بطفلتنا الوحيدة “هيلين” قررت أن أكتب رسائلي إليها. ينتمي كتاب إلى فن “الرسائل الأدبية” وتوقفت عن الكتابة فيه عشية ولادة هيلين. كانت فكرتي: ما إن تخرج هيلين إلى العالم فسيكون عليها أن ترى النور والعالم، وسأكتفي عن قول المزيد لها.

ــــــ
أعطنا نبذه قصيرة عن رواية هروب الفتى عاري الصدر ؟
في العام ٢٠٠٨ كتبتُ نصاً روائياً بعنوان “كود بلو”. يتحدث النص عن تجربة مع الموت،
near death experience, NDE
نشر العمل في مصر لأول مرة، وكتبت حوله تعليقات كثيرة لعلها من أهمها سلسلة المقالات التي كتبها الناقد العربي المعروف د. عمر عبد العزيز. لسبب ما تعلق عبد العزيز بالنص، ولا يزال يحيل إليه من وقت إلى آخر. فهو رجل مولع بالفن والأدب الصوفي. أعدتُ كتابة الرواية في العام ٢٠١٤ بين ألمانيا وفرنسا، بلغة مختلفة كلياً مبقياً على القصة الأساسية. بعد الفراغ من كتابة الرواية للمرة الثانية وجدتني بصدد نص، كنسيج، مختلف عن النص الأم. ترددت كثيراً، ثم اتخذت قراراً بمنح النص اسماً جديداً: هروب الفتى عاري الصدر.

ـــــــ

تنناول في الرواية الموت هذا المجهول المرعب الذي لا مفر منه ؟ كيف ترى هذا الأمر من وجهة نظرك ؟
كطبيب، أجده التحدي اليومي، أو العدو اليومي.
وكفنان أراه على نحو مختلف. هنا في ألمانيا، يصبح المجتمع على نحو متزايد رمادي الشعر، ثمة قدر من التصالح معه. في القمة، لدى الطاعنين في السن، أسمع بصورة متكررة من مرضاي: لا أخشى من الموت، لقد عشت حياة رائعة. فالموت عملية تحيط بكل إنسان. ما إنسان إلا ويتوقع ضربة من هنا. يحاول الموت باستماتة. وفي مرة من المرات تنجح واحدة، وينسحب هذا الكائن من الوجود. شخصياً لا أخشاه ولا أنتظره. يفزعني في هذه الموضوعة الغموض الذي يفضي إليه الموت. عندما تراجعين نظرية “التمزق العظيم”، وهي توليفة لسلسلة من النظريات حول الكون منذ منتصف الخمسينات تفضي إلى التنبؤ بالطريقة التي سينهار بها الكون، ثم تعودين إلى الكتاب المقدس “القرآن” لتقرئي “وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرُزاً” ستغرقين في لجة من الحيرة، بين الشك العميق والوجل الملبد بالشك. يمكنك تخيل مشهداً ختامياً مفاجئاً. تقول الكتب السماوية “حالاً، أو وشيكاً” وتقول النظرية العالمية الأجد: بعد ٢٢ مليار عام. الموت هو المتاهة والضياع بين ذلك.
ــــــ

كيف يعيش المنتصرون في الحروب ؟ كيف يفلتون من ضجيج الموتى ؟
ـ يبدو أن “هروب الفتى” تحدثت عن ذلك. لا أتذكر بالضبط ما الذي كان يدور في خلد “أمير” وهو يسمع ضجيج الموتى.

ـــــ
ما هو الفرق بين الموت الناعم والموت الأبدي ؟
لا يوجد موت ناعم وموت أبدي. في “هروب الفتى” يتحدث أمير عن الموت الناعم، وهو تعبير شعري كثيف ربما اقتبسه بطل الرواية من نص لوركا، يتحدث لوركا عن فتى سقط فـ “سال الموت الناعم من بين أصابعه”. الموت حالة صافية من العدم المحض، وهو الفادحة الأكبر، والتحدي الأبدي. ومنذ البدء شغل الإنسان نفسه بفكرة الخلود، لذلك اخترع الديانات والطب.
ـــــــ
ما هي المدينة التي بلا قلب ؟
هي مدينة أحمد عبد المعطي حجازي وبدر شاكر السياب وبودلير. مدن الشعراء بلا قلوب.
ـــــــ
هل طول العمر علامة على موت القلب ؟ من واقع الرواية ( جدك بلا قلب إنه يتجاوز المائة عام )؟

في “هروب الفتى” سمع أمير في طفولته من سيدة عارفة جملة شبيهة. لكنه لم يصدقها، فقد عاش جده قرناً وكان طيب القلب.
ــــــ

متى يقرر الإنسان أن يكون موته إختيارياً ؟

ينتحر، أو يذهب إلى الحروب، أو يصبح قاطع طريق، أو ديكتاتوراً في الأزمنة الحديثة.
ــــــ

وضح ماذا تقصد ( الجنس مثل الأطباق الطائرة يتشكل من غبار الكون وأوهام الناس) ؟

الجنس مسألة مبالغ فيها، تحولت إلى بهيموث كبير ابتلع كل الأفكار الكبيرة، بما في ذلك فكرة الخلود نفسها كما تذهب الباحثة الأميركية ”فيغيس” في حديثها عن “إله الرجل”. في حين هو عملية فسيولوجية متناهية الصغر. راح جاك دريدا يحفر في أصل اللغة الجنسية، مستنتجاً أن كلمة “فالوس”، وتعني العضو الذكري في اللاتينية، هي التي أسست لكلمة فلسفة، وحب، وكون، من حيث التقارب اللغوي التركيبي. ليخرج دريدا بملاحظة تقول إن العالم، كل العالم، يدور حول الفالوس phalocentrism. في “هروب الفتى” تحضر تلك المسألة بصورتها الأكثر بشرية ومادية، بلا أوهام.
ــــ

لماذا ينظر البعض إلى جسد المرأة كما لو كان ستار معبد ؟
يبدو أن المرأة تقدم جسدها كستار معبد.
ـــــ

بماذا ترد على المعتقد بأن الغير مختن تسكنه روح شريرة ؟
لا يمكن للمرء أن يناقش أساطير الشعوب. لدى بعض الشعوب الأفريقية جنوب الصحراء اعتقاد أن المرأة غير المختتنة من الممكن أن تنقل روحاً شريرة لرضيعها. في تقديري، تستهوي مثل هذه الأساطير البدائية الفنانين. في القدِم نشأت الأساطير، وأقل منها: الخرافات، تلك كمحاولة من الإنسان الأعزل والوحيد لشرح ما يجري حوله. مع الأيام نشأ العلم وبدأ في إزالة الغموض عن العالم. وكلما تقدم العلم خطوة انزاح غموض، وسقط سحر، وتلاشت ديانة.
ــــــ

هل الحياة تستحق الركض الذي يستغرقها الأنسان طوال رحلتها ؟
على هذه الأرض ما يستحق الحياة. لا نعرف، حتى الآن، ما هو أجمل من هذه الحياة.
ــــــ
تناولت في الكتاب ظاهرة النيكوفيليا ؟ حدثنا عنها.
النكيوفيليا تعبير علمي في وصف سلوك بشري نادر “عشق الأجساد الميتة”. في الدراسات العلمية، والكتب العلمية، وصف فائض حول الظاهرة وتاريخها وتجلياتها. في ألمانيا، في القرن التاسع عشر، خرج شاب من قريته في العشرين من عمره إلى فيننا. هناك كشف عن موهبة موسيقية سلبت الألباب. مع الأيام لوحظ سلوكه “النيوكوفيللي”، حتى إنه عبث في يوم ما بجمجمة موتسارت.
ــــــ

بماذا ترد على من ينصح غير المصريين بألاهتمام بشأن بلادهم كما ورد على لسان أمير بطل الرواية ؟

العالم يخص كل الناس. مشكلة واحدة في بلد واحد يمكن أن تهز العالم بأكمله. المسائل المتعلقة بالحرية والديموقراطية والعدالة تخص البشرية كلها، وليست شؤوناً داخلية. لجون كينيدي، مطلع الستينات، تعبير مشابه. إذا عدنا إلى العام ١٩٩٥ وقرأنا عملية “درع البيزو” الشهيرة لكانت الصورة أكثر وضوحاً. يحتشد العالم كله ويدفع عشرات المليارات من الدولارات للمكسيك للحيلولة دون انهيار اقتصادها مع تهاوي عملتها، البيزو. حتى اليابان ساهمت في تلك العملية. كان من شأن انهيار البيزو أن يقوض اقتصاد العالم. حدث ذلك، فيما بعد، مع انهيار ليمان بروذرس في خريف ٢٠٠٨. فيلم “حروب تشارلي ويلسون”، بطولة توم هانكس، يقدم مثالاً عظيماً في هذا الشأن: تجاهل الأمية في أفغانستان بعد الغزو السوفيتي قاد إلى انهيار نيويورك بعد أقل من ربع قرن..
ــــــ

هل العدالة فرض على الإله أم كرم منه ؟
يقول المعتزلة إن فكرتهم حول “العدل والتوحيد” أن الإله “واجب” عليه العدل، وليس اختياراً. وأن الإله، شخصيا، ليس لديه اختيارات كثيرة في مسألة العدل. كما يجب على الإنسان التوحيد. وأنه لا معنى للعدالة إذا كانت اختياراً من الإله. بالنسبة للرجل المؤمن والحر، في آن، في العصور الحديثة سيبدو موقف المعتزلة معقولاً.
ــــــ

ماهي العقبات التي واجهتك ككاتب ؟
النشر، أولاً. وانعدام سوق الكتاب في بلدي.
ـــــــ

اليمن إلى أين من وجهة نظرك كمثقف ولك إحتكاك بالشأن السياسي؟

اليمن يمر بطور من زعزعة الاستقرار لأجل الوصول إلى الاستقرار. شعوب لا تحصى، في هذه الأرض، مرت بالصورة نفسها. حتى أميركا نفسها. عندما أقرأ عن الحرب الأهلية ١٨٦١ ـ ١٨٦٥ في أميركا، أهمس لنفسي: الآن، الدور علينا. من المثير أن يقول الرئيس الأميركي، آنئذ، لمؤلفة رواية “كوخ العم توم”: انظري، لقد اشعلتِ الحرب. وكانت روايتها حول الظلم والعدالة.
ـــــ

هل ما يحدث في الدول العربية ربيعاً عربياً أم خريفاً يدفع ضريبتة الشعوب ويجني حصاده الغرب والحكام العرب ؟
بل ربيع عربي، يشبه “ربيع الشعوب الأوروبية” في الفترة من ١٨٤٨ وحتى ١٨٥١. انهار ربيع الشعوب الأروبية ذلك، لكن الأمم الأوروبية بقيت، وجددت محاولاتها. وها هي ماثلة للعيان، في زمن ما بعد الحداثة السائلة.
ــــ

كيف ترى المستقبل العربي في ظل فوضى المعلومات ؟
تغير التكنولوجيا كل شيء، وتخلق عالماً جديداً كلياً. بحسب ما أفهمه من حركة التاريخ، فالإنسان يصعد، ويصنع حياة أفضل. قبل مائة عام أكل السل الرئوي نصف فناني العصر الكلاسيكي، بمن فيهم تشيخوف وكافكا. وقبل أربعمائة عام أكل الجذام كل معالم الحياة، وفي باريس لوحدها كان هناك أكثر من ألفي “معسكر اعتقال” للمصابين بالجذام. أصبح كل ذلك جزءاً من الماضي. لن يتوقف الإنسان، لن يوقفه شيء.

:: السياسة © جميع حقوق النشر محفوظة 2014 | Al SEYASSAH Newspaper::

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫36 تعليقات

  1. لا مجال يا سيدي للمقارنة فالغرب كان يبحث عن العدالة الاجتماعية والمساواة وقيم انسانية اخرى تجمع الكل ..لكن في اليمن آلة التخلف تعيد انتاج نفسها واصبح الوطن والمواطنة المتساوية امور من قبيل الترف الفكري في ظل هذه الاوضاع المأساوية…تحياتي استاذ

  2. اليمن يمر نفس مرحلة 93 بالضبط ..
    وسوف يتم تشكيل الأتلاف الحاكم الذي تشكل مثل ما صار عام 93 بصيغة او بأخرى…
    وسوف يخرج الشعب يقول نفس مقولة 93 انت فين يا مؤتمر من زمان نحن نريد الامان ! و مثل ما قالوا للبيض : يا بيض يا بيض كفاية تحريض سوف تقال لهادي ..
    كفاية دماء

  3. من الخطا تشبيه الثورات الأوروبية بالثورات العربية، الثورات العربية يتم التحكم بها بما يتفق مع مصالح الغرب فهي تدور في فلك المصالح الغربية، الثورات الأوروبية لم يتحكم بها احد خارجيا

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى