كتّاب

الحسن ونساء اليمن….


الحسن ونساء اليمن.
أو: ماذا لو رحل الجفري إلى الكوفة؟
ـــــ

سمّى الحبيب الجفري الأكابر، أجداده، وتوقف لحظة عند “حليم العترة” الحسن.

إذا فرح بك الحسن، يقول الجفري، فسيمتلئ قلبك بالنور حتى تلقى الله.
سيفرح بك الأكابر، بالطبع، لأسباب متعلقة بتفانيك في محبتهم، لا لإنجازك على صعد الحياة المختلفة. لا يذكر التاريخ شاعراً أو فيلسوفاً ينتمي للسلالة تلك، فقد ذهب جهدهم وانشغالهم إلى صناعة النصوص التي تفضّلهم عن العالمين، والدعوة إلى حقهم في حكم الناس.

يُقصد بمحبة آل البيت، حين تقال، التسليم بحقهم في حكم الأرض نيابة عن الرسول، أي عن الله، وبتفوقهم الاجتماعي. الحسن والحسين، داخل هذه المحبة، هما ظل الله على الأرض. لا أحد سيقولها لك علانية، يختبئ كل ذلك خلف دالّة لغوية اسمها “المحبّة”.

مات الحسن في عصور سحيقة، وما من سبيل لاستجلاب محبّته الآن سوى في محبّة الأحياء من ذريته، أي الخضوع لهم على الصعد كلها: فلسفيّاً، أخلاقياً، وسياسيّاً. انفراد تلك السلالة ب”حق المحبّة” ناشئ عن قداستها واعتبارها لوناً خاصاً من البشر ابتكره الله بعناية فائقة. وسيترتب على المحبّة سلسلة معقدة من الحقوق والامتيازات: اجتماعية، دينية، وصولاً إلى الاستثناء السياسي.

بالأمس ذكرتكم بحوار دار بين ابن الزبير وابن عبّاس، يسأل الأخير الأول: بم تروم هذا الأمر، أي بماذا تريد أن تصير سلطاناً؟ يجيبه ابن الزبير: بشرفي. استفزت الإجابة تلك عبدالله بن عبّاس فبادر جليسه قائلاً: وبمَ شرُفت؟ إنما شرفت بنا، ونحنُ أشرف منك.

لم يكن ابن الزبير بالرجل العادي، كان قائداً عسكرياً من مشاهير العرب، ونجل رجل يجلّه المجتمع المسلم، وأمه هي ابنة أبي بكر، المؤسس الأول للإمبراطورية العربية. كل تلك الأهلية الاجتماعية لم تمنحه شيئاً من الشرف السياسي من وجهة نظر عبد الله بن عبّاس. لا حاجة بنا هنا إلى القول: إن كان هذا هو وضع ابن الزبير في التصور الهاشمي، بما له من جبروت اجتماعي وديني، فكيف بالآخرين: أنت وهي؟

لنعُد إلى الحبيب الجفري، وارث الخرقة الشريفة.

يمضي الجفري في البلدان يبشّر بآل البيت الذين إن رضيوا عن البشر ملأوا قلوبهم نوراً لا يخبو حتى قيام الساعة. هذه كلمات الجفري، لم نبتكرها.

لنعد إلى المكان الأول، إلى البدايات، إلى المدينة المنورة [يثرب]. يُقتل المؤسس الثالث [الخليفة عثمان]، وتصير الأمور إلى علي. سرعان ما يدير ظهره لعاصمة الإمبراطورية ويذهب إلى الكوفة، مصطحباً معه كل أهله. كان عمر الحسن آنذاك 33 عاماً. كان الحسين أصغر منه عاماً. عاشا الشابان في المدينة حتى بلغا الثلاثينات من العمر. لا يوجد في تاريخ الرجلين في المدينة ما يستحق الاحتفاء، لا على مستوى الإبداع ولا حتى الحضور الاجتماعي. عاش كرجلين عاديين، أو أدنى. ولأنهما هناك في المدينة، في نواة الإسلام، إلى جوار ألمع نجوم ذلك الزمن فقد عاشا خاملي الذكر. في تلك الحاضرة الديناميكية، مركز الإمبراطورية، كان شأن الرجل يعلو بأمر من ثلاثة: الفروسية، الفقه، الآداب. لم يكن للحسن ولا لأخيه نصيب من أي من ذلك.

تغيّر الحال في الكوفة، البلدة الحديثة والنائية. كان أهلها مهاجرين، جنوداً، أو ضحايا حروب، وجلّهم حديثو عهد بالإسلام ولم يسبق لهم أن رأوا النبي، كما لم يكن الدين بتعقيداته الكثيفة “القول الثقيل، بتعبير القرآن” قد استقر في خيالهم ووعيهم.

وفَدَ علي ومعه العترة، وبدلاً عن أن يعلم الناس المعنى الجوهري للإسلام، المساواة والتحرير، راح يدرّسهم فضل عترته على باقي البشر، مردداً أن تلك الأفضلية قراراً إلهياً لمصلحة الناس في معاشهم ومعادهم.

كان عليّ مضطراً لخوض ذلك التحريف لمعنى الدين، فقد كان على أهبة حرب، في مسيس الحاجة لمقاتلين يبذلون كل الطاعة والفداء في سبيله، وما كان ذلك ليكون ممكناً لو لم يلقنهم “المحبّة”، أي الخصوصية الإلهية للعترة.
سرعان ما انتقلت المحبة [القداسة] إلى الأبناء، وصار النجلان سيدي شباب أهل الجنة، وأمور أخرى فوق بشرية. لم يزد الشابان، الحسن والحسن، شيئاً إلى منجزهما الشخصي المحدود لا على مستوى الآداب والمعارف، ولا الفروسية. انفجرت المحبّة فجأة، وصارت إلى قداسة، وذهبت القبائل المؤسسة للكوفة تطوف حولهم وتلقي بين يديهم بالفتيات، حتى إن المؤرخين الشيعة يقولون إن الحسن تزوّج زهاء 250 امرأة، بينما يحاول المؤرخون السنة تخفيض العدد إلى سبعين.

من الذين سارعوا إلى إلقاء الفتيات بين يدي أبناء علي كانت القبائل اليمنية بمختلف تنويعاتها، فقد كان في الكوفة زهاء 13 قبيلة يمنية. اليمنيون المساكين، المأخوذون بما يقوله علي عن نفسه وآل بيته، قدّموا فتياتهم الواحدة تلو الأخرى، وكان الحسن يدخل بهنّ ويطلقهن بعد وقت قصير. ثمة روايات تاريخية مروّعة عن رجل يتزوج الفتاتين والثلاث ويطلق السيدتين والثلاث في نفس الوقت.

في تلك المضيعة من الأرض، الكوفة، المحاصرة من الفرس من الشرق ومعاوية من الغرب، وبالتناقضات المستعصية من الداخل أراد اليمنيون أن يؤمنوا أنفسهم ومستقبل أبنائهم. حصل الحسن على الفتيات اليمنيّات، وكان الأب ينظر إلى ابنته مؤملاً أن يأتي منها الفرج: أن تنجب الولد الذي سيرث السلطان، وسيصعد أخواله على كتفيه.

عليّ المحاصر والمأزوم [يلقب بالكرّار رغم خسارته لكل المعارك] رأى في أفعال بنيه تهديداً مباشراً للاستقرار الهش داخل إمارته، فذهب إلى رجال اليمن واعتذر منهم راجياً أن لا يزوجوا ابنه لأنه “مزواج مطلاق”، بحسب كلماته. اليمنيون، وعيونهم على المستقبل، هوّنوا من مخاوفه ووعدوه بأن يزوجوا الحسن من شاء ووقتما يشاء، وإن طلقهن جميعاً. كانوا يحاولون معالجة مخاوفهم الوجودية، ويرغبون في أقصر الطرق إلى السلطة والنفوذ: إلقاء النساء بين يدي السلطان. ولم تكن شهية ابن السلطان، الحسن، بالتي تسكّنها بضع نساء.

وقع يمنيو الكوفة ضحايا تلك الصورة الكثيفة التي خلقها علي لنفسه، بمساعدة آلته الإعلامية التي كانت تستهدف في الأساس التقليل من شأن خصومه. استغل الحسن تلك الظروف وحصل على ما يشاء من النساء، الأمر الذي جعله – في تقديرنا – أقل حماساً للحروب والصراعات. ستمنحه النساء مستوى من الحكمة، بالمعنى الأمني العام.

ما كان للحسن أن يمارس ذلك المستوى من اللهو بنساء العرب واليمنيين في المدينة، كما فعل بنساء أهل اليمن. في الكوفة نشأت صورة أخرى من الدين تعطي العترة وزناً أكبر من مسألة التوحيد، وترى الولاية مهيمنة على النبوّة. استغلال أبناء العترة للإسلام، كما فعل الحسن، سيصير إلى إيديولوجيا متعددة الطبقات على مر الأيام. فهي تبدأ من المحبّة، في الخطاب الصوفي الهاشمي، وتصل إلى سرداب المهدي، صاحب الزمان الخالد.

لا يمكننا قياس المكاسب الذي جناها الحبيب الجفري حتى الآن من خلال إيديولوجيا “المحبّة”، غير أن المؤكد أنها عظيمة. وكما فعل الحسن مع يمنيي الكوفة يفعل الجفري بطريقة ما. يقف أمام الناس ويحدثهم: كل نسب منقطع إلا نسب رسول الله. كل الناس مقطوعون من شجرة، شظايا آدمية بلا تاريخ، أخلاط لا يعرف لهم جد، عداه وعترته.

تريد أن تكون خالداً كما الجفري وآل بيته، قلبك مليء بالنور حتى تلقى الله؟ ثمّة طريق وحيد: قدموا الفتيات له وللمطهرين الآخرين من آل بيته [الأكابر، سلالة الذهب، كما ينعتهم].

آنذاك سيكون بمقدور نسائكم أن ينجبن رجالاً أطهاراً غير منقطعي النسب.
هكذا فكّرت قبائل اليمن في الكوفة وهي واقعة تحت ظروف مشابهة. لم يتغيّر آل البيت منذ الأزمنة السحيقة تلك، ولو أن الجفري عاش في الكوفة لكان مطلاقاً أيضاً، كما كان “حليم العترة” .. عليهم السلام.

— —-
مروان الغفوري

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫29 تعليقات

  1. ماكنت تحتاج اهانه اليمنيين بهكذا قصص. احذف المنشور فقد كنا نتابعك لشي من العزه وجدناه في كتاباتك. فإذا وجدنا غير ذلك صدقنا ما يقول الاخرين عنك.

  2. السؤال الذي يهمني معرفة إجابته هو هل اختص الله و رسوله ال البيت بعلم عن باقي البشر وهل هذا الاختصاص موجود لليوم !!! هل لهم كتب سرية يتوارثونها ولا يطلع عليها إلا هم أو هل لا يزال يأتيهم الوحي على شكل رؤياء..
    إن كان الإجابة نعم فمن من آل البيت اليوم لدية هذه الميزه هل هو ملك المغرب أو ملك الأردن أو رئيس سوريا أو الجفري أو عبدالملك ولا تنسوا الملكة اليزابيث فهي من آل البيت كما يقال..
    وإذا كان الإجابة لا إذا أين المشكلة ولماذا كل هذا السفه و الجنون

  3. ياخي هاجم الى ينتسبو في وقتنا الحاضر الى آل البيت كالجفري وغيره من يدلسو ويفبركو روايات ليستتدلون بها على المسلمين ويفرضون انفسهم عليهم ابتغاء حيازت اشياء دنيويه (في هاذا انت معك حق ).. اما مهاجمة آل البيت هذا خطاء ومنكر وخاصة انك تستدل بروايات ضعيفه ومحاولة تشكيكك في ايمان علي كرم الله وجهه و اولاده وبسبب كرهك للا اصناف الي ذكرناهم انت مخطئ ومخطئ جدا…

  4. هل شفت فيديو الجفري وهو يقول لاتباعه انه مؤمن ان يد الرسول خرجت من القبر وسلم على الرفاعي ، وانه من لا يؤمن بذلك فانه عنده مشكلة مع دينه وكذلك مشكله مع عقله ، امعقول ان يكون هذا داعية اي عقول يملكون ؟

  5. المشكلة ان كثير من الخرافات اصبحت مقدسات وعمدت باحاديث، واصبح مجرد انكار الخرافة كفر والحاد، حتى الذين تضرروا من السلالة ووحشيتها، مازال ايمانهم الراسخ ان آل البيت لهم افضلية وحبهم تقرب الى الله، ويعتبرون ذلك عقيدة والخروج عنها كفر…نحن امام امة لا تخضع الا بالقوة، ومن يمتلك القوة يسلمون له عقولهم ليحشيها بما يشاء.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى