كتّاب

أساطير تاريخية:…


أساطير تاريخية:
فى المنهجية التاريخية:
كتبت عن اختلاق الموقف الذى رحل فيه مصرى ليشكوا فاتح مصر وحاكمها، والذى انتهى بقول عمر: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا، وقد طلب إلى بعض الأصدقاء البرهان على صحة ماذهبت إليه، فإليهم أكتب هذا الرد:
1- تعتبر السنوات والشهور والوقائع المتفق عليها الأساس الذى ينبنى عليه تفسير الروايات المختلفة، وهنا فمن المتفق عليه أن عمرو بن العاص الذى ولد 580م، قد بدأرحلته لفتح مصر وهو يقترب من عامه الستين فقد دخل العريش فى ديسمبر 639م، ولم تذكر له كتب السيرة غير ولديه عبد الله ومحمد، وقد تجاوزا من عمرهما الأربعين سنة، وكان عبد الله وهو الأكبر محدثا كبيرا صحب الرسول “ص” وروى عنه مايزيد على الألفي حديث، مما يعنى أنهم قد تجاوزو سنوات اللهو واللعب والسباق والعبث مع الأقران
2- أن أحداث الفتح كانت أحداثا عاصفة وممتده فمن حصار الفرما إلى حصار أم دنين إلى حصار دمياط ورشيد، ودخول الفيوم وحصار حصن بابليون، ثم حصار الإسكندرية أخير والذى انتهى بعقد اتفاق فى 11 سبتمبر 642 يغادر بمقتضاه الروم الاسكندرية فى مدة 11 شهر، ممايعنى أن الفتح قد تم فى أغسطس 643م، وبعدها واصل عمرو فتح برقة وطرابلس فى ليبيا، فإذا كان قد عاد إلى موقع فسطاطه بجوار حصن بابليون وهو الموقع الذى اختاره ليكون مركزا لعاصمته، مطلع سنة 644 م، فإن القدر لم يمهل عمر بن الخطاب سنة كاملة بعدها إذ قتله أبو لؤلؤة فى 7 نوفمبر من نفس العام 644م، لم يهتم فيها إلا بالاطمئنان على الفتح، وتدفق الخراج، والطلب إليه أن يحفر خليجا لإرسال القمح والمؤن إلى المدينة، وفى هذا العام “الوحيد” عرف عمر أن عمرا قد أثرى ثراءا فاحشا، فأرسل إليه “محمد بن مسلمة” ليقاسمه ثروته، فهل يتسع العام الوحيد لأكثر من هذا، منهم أربعة أشهر حبس فيها عمرو الشاكى – كما تروى الأكذوبة- وخاصة وان الرحلة من مصر إلى المدينة تستغرق فى هذا الزمن نحو شهرين إذا سارت بلا عراقيل وهجمات للبدو وقطاع الطرق
3- تعد مصر وقتها أهم الأمصار التى فتحها المسلمين، ومن المفترض “عقلا” أن يكون أمام فاتحها سنوات عديدة لترتيب أمورها وتأكيد سيادته عليها، فهو فى حاجة للتأكد من عدم عودة الرومان، وبناء عاصمته وتوزيع أخطاطها على الجند الفاتحين بحساب دقيق وموضوعى، فضلا عن فهم طبيعة البلاد وانتاجها وثروتها وحساب خراجه منها ومعرفة مكاييلها وأوزانها وعملتها .. واختيار من يعينه من جماعته لحكم الأقاليم المختلفة فى الدلتا والصعيد، واختيار العناصر من الكتاب والحسبه والمعاونين من أهل البلاد.. والتدريب على وسائل للتفاهم والترجمة من القبط الذين لا يتحدثوا العربية طبعا… فهل يعقل فى ضوء هذه المهمات التى تتعلق باستقرار الفتح فى درة الخلافة الإسلامية أن يستدعى عمر عمرا لمحاسبته على “خناقة صبيان”
4- القصة نفسها لم يذكرها إلا ابن اسحاق في سيرته وأخذها عنه الكثيرين، وهى غامضة فى كثير من وقائعها ومتناقضة وبلا أسماء، وأنا أميل إلى أن الشاكى من الأقباط وليس من العرب كما يقول سمير ابراهيم وناجى فوزى،
فهو يقول فى شكايته: “أن جند المسلمين قد صدقوا على قوله” وأنه قد قصد المدينة مع حج المسلمين، ومنطقى أن يكون قائل هذا الكلام قبطى

5- وأخيرا فإن من يطالع وقائع الفتح والبلاد التى هدمت أسوارها وبيوتها وأحرقت، والدماء التى أريقت والأموال التى نهبت والحقوق التى تقررت للفاتحين كحق الارتباع لخيول المسلمين فى حقول القبط والأثواب التى أجبروا على منحها، يفهم الفارق بين منطق التاريخ ومنطق “السهوكة”…. يسعد أوقاتكم

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى