توعية وتثقيف

الثقافة الرفيعة…


الثقافة الرفيعة

أشرت فى مقالة سابقة إلى الموسيقى الكلاسيكية و الأدب الكلاسيكي و الفنون الجميلة بأنهم يدخلون فى نطاق ما يسمى ب”الثقافة الرفيعة”. و أثار عدد من الأصدقاء الأفاضل تساؤلات قيّمة فى هذا الشأن – ما هي الثقافة الرفيعة؟ ما هو الفرق بين الموسيقى الكلاسيكية و الموسيقى الشعبية (مثلاً)؟ خذ، على سبيل المثال، موسيقى موتسارت، وهي الآن موسيقى كلاسيكية: هل كانت شعبية فى وقتها ثم أصبحت كلاسيكية مع مرور الزمن؟ أم هي وُلدت كلاسيكية من البداية؟ هل تعتبر أغانى أم كلثوم من الكلاسيكيات؟ و هل ذلك لمجرد أنها قديمة؟ أم لأنها إجتازت إمتحان الزمن؟ أم لأن هناك معايير أخرى؟

سنعود إلى الموسيقى فيما بعد؛ أما الآن فدعنا نعمل على تعريف الثقافة الرفيعة فى مجملها. سأبدأ بتعريف الثقافة عموماً، و من هناك نذهب إلى محاولة تمييز الثقافة الرفيعة عن غيرها. ما هي الثقافة؟ الكلمة لها معنيان – معنى إجتماعى و معنى فردى:

* الثقافة، بمعناها الإجتماعى، هي مجمل عادات و إنجازات و فنون شعب معين على مدى تاريخه، بصرف النظر عن مدى سموها. فنحن نتحدث (مثلاً) عن الثقافة الفرنسية التى تشمل اللغة و الفنون والآداب الفرنسية، و أسلوب الفرنسيين فى الحياة و فى التعامل … إلخ، (و إن كان الفرنسيون أنفسهم يفضلون إستعمال تعبير ‘civilisation française’ أي الحضارة الفرنسية.) بالمثل نستطيع أن نتحدث عن ‘الثقافة المصرية المعاصرة،’ و ذلك بصرف النظر عن التباين بين الثقافتين.
* الثقافة، بمعناها الفردي، هي الإهتمام ب، و التعرف على، الفنون والآداب و الإنجازات الحضارية، و الإهتمام بالشؤون العامة التى تخرج عن نطاق المصالح الشخصية. و المثقف قد يكون فى نفس الوقت ‘خلاقاً’ مثل طه حسين، (الذى كان أيضاً أديباً،) أو قد لا يكون.

كل مجموعة بشرية لها ثقافة (culture) و هي مجمل عاداتها و تقاليدها و معتقداتها وممارساتها. و كذلك كل فرد. فكيف نميز الثقافة “الرفيعة” عن غيرها؟ أحيانا يكون من الأسهل تعريف الشيئ بضده. أي أن نٌعرِّف الثقافة الرفيعة بأنها الثقافة “غير المبتذلة”. فما هي الثقافة المبتذلة؟

مقومات الثقافة المبتذلة (بدون مغزى للترتيب):
* قصر الإهتمام على ما يرضى الغرائز البدائية، مثل الأكل و الجنس و الرغبة فى التملك؛
* المظهرية – أي الإهتمام المفرط بالمظهر، و بوقعه على الآخرين؛
* الفضول التافه – و هو التشوق إلى معرفة الشؤون الخاصة للآخرين، خصوصاً الأغنياء و المشاهير؛
* الإستجابة للمؤثرات البدائية، مثل تفضيل الأكثر على الأفضل (حَلة كشرى أفضل من ملعقة كاڤيار؛) و الأكبر على الأثمن (مسكن كبير فى موقع سيئ أفضل من مسكن أصغر فى موقع جميل؛) و تفضيل الألوان الفاقعة و الأصوات العالية (مثل قرع الطبول؛)
* الإهتمام المفرط بالذات و إحتقار الشؤون العامة و مصالح الآخرين؛ (ما يفيدنى هو المهم، و ما لا يفيدنى لا قيمة له؛)
* الإهتمام بالمجال الخاص و إزدراء المجال العام، مثل تنظيف المنزل ثم إلقاء النفايات فى الشارع؛
* الإهتمام برموز النجاح (مثل السيارة مرسيدس) و ليس النجاح نفسه (التميز فى المهنة أو الإنجازات الفذة؛)
* الإهتمام المفرط بالمال و الثروة كمعايير حصرية للنجاح و الإنجاز و السعادة؛
* النفور من المؤثرات المركبة مثل الهارمونيات الموسيقية و الأفكار الفلسفية المعقدة و الفنون الجميلة و الروايات ذات الخيوط المتعددة؛ و تفضيل الكاريكاتير و الرسومات البدائية (comic strips) و ماشابه؛
* الميل إلى التهرب من الواقع بإستخدام المخدرات الكيميائية أو الفكرية (المعتقدات الغيبية).
* …

و أدعو الأصدقاء الكرام إلى توسيع و تنقيح هذه القائمة.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫19 تعليقات

  1. لماذا تتفشى الثقافة المبتذلة في شعوب معينة و تندر في أخرى ؟ هل من الممكن وصف ثقافة شعب ما بأنها ثقافة مبتذلة اذا غلبت على معظم أفراده تلك المقومات التى ذكرتها؟

  2. اذا أخذنا الثقافة بمفهومها العام فإنها ليست بمعزل عن مؤثرات اخري هي التي تحدد ملامحها إذا كانت رفيعة أم مبتذلة ومجتمع فى حقبة ما قد تكون ثقافته مبتذلة ومع تغير الأوضاع والمؤثرات الآخري تصبح رفيعة وهكذا العكس أيضا

  3. الا يوجد لدي كل شعب كلا النوعين من الثقافة الرفيعة والمبتذلة .. على حد وصفكم .. .. أي أن الرفيع من الثقافة ليس حكراً على شعوب بعينها والأمر كذلك بالنسبة للمبتذلة منها

  4. Great definition of the fine culture and its essential factors, In Arabic dictionary Thaqaf Al Oud means making it smooth and agreeable after it was full of thrones and unclean, Humanity developed the permeative rituals of early human sounds and cave drawing to harmonical music and fine masterpieces, Ancient Egyptian, Greek, Sumerian and Babylon civilizations of Mesopotamia until we reached the renaissance with the most magnificent art and Classical philharmonic music which inspired humans from different continents, It became so cosmopolitan when we see great Japanese or Korean Pianists and Violinists.

  5. I think it is an intriguing subject..
    When you meet a civilized cultured nation it is multi factorial
    The upbringing family
    The schooling
    The social media
    The effect of the church and religious authorities
    The financial aspects
    It is all contributing to the final result
    When the family..the school..the religious authority..the social media are spreading ignorance hatred and nonsense what do you think about the final result

  6. التعريف يكاد يكون مستحيلا

    سواء للفن الرفيع

    او الفن المبتذل

    و بمجرد خروج تعريف
    سيظهر ما يناقضه من الواقع

    اعتبر اليساريون و المقروص ان اليساريه معنيه بالتهليل صلاح جاهين اماما للشعر العامي الشعبي
    و انتقدوا نفس شعره العامي في السبعيتلت و الثمانينات
    و اعتبروه مبتذلا

    مطرح ما نمشي يفتح النوار
    و نصبح في كل صباح
    ب حلم جديد
    كانت تمام

    انما باتوا علي اصولكم باتوا
    و ابو ضحكه حلوه ترد الروح
    تعرفه من ١٠٠ مليون انسان
    بقت مبتذله

    الcannibalism
    هي نوع من الculture بالتعريف الانثربولوجي لها
    و في الواقع واحد من اصول ممارستها هو استمرار الجدود و الاباء في اجساد الاولاد و الاحفاد
    طبعا لا يتم توصيفها علي هذا الاساس
    و لا توضع الي في خانات الوحشيه و البدائيه

    هل هي ما يستمر في الزمن و يعبر الحدود
    بعض ما يفعل هذا يتفق كثيرون علي انخفاض ما يسمونه قيمته الفنيه

    هل هو قدر الابتكاريه
    و لماذا اذا نحترم الكلاسيكيات و الكلاسيكيه

  7. الثقافة التافهة أو المبتذلة أو الإنسان التافه أو الإنسان الضار كلها مصطلحات تصلح عنوانا لما تفضلت سعادتك بسرده دون مغوي للترتيب، وكما قلت سعادتك بضدها تعرف الأشياء.
    لا املك حيالكم إلا انحناءة التقدير والاحترام.

  8. ربما تدخل فئة بين الرفيعة والمبتذلة وهي الثقافة الشعبية pop clture وهي عموما جيدة دون أن تكون ذهنية intellectual يتجاوب معها غالبية الناس حسب تعليمهم وتذوقهم ودرجة جودتها.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى