توعية وتثقيف

ترامپ و “الخامس”…


ترامپ و “الخامس”

عندما يستجوب القضاء فى أمريكا متهماً، من حق ذلك المتهم أن “يأخذ الخامس (take the fifth)”، أي لا يجيب على سؤال لا يريد الإجابة عليه. فما هي هذه الحكاية؟

الدستور الأمريكى أُدخِلت عليه بعد صدوره تعديلات كثيرة صارت تعرف بأرقامها. والتعديل رقم ٥ ينص على أنه من حق المتهم أن يمتنع عن الإدلاء بشهادة من شأنها أن تُستعمل ضده. لهذا يقول المتهم (أحياناً) أثناء الإستجواب إنه يلوذ بالتعديل الخامس كناية عن أنه لن يجيب على ذلك السؤال. وهذا حقه الدستوري ولا يجوز إجباره على الكلام.

ليس من الضروري أن يكون الإنسان عبقرياً ليفطن إلى أن البريء لا يحتاج إلى الإحتماء “بالخامس”، ويستنبط أن من يفعل ذلك هو بالضرورة مذنب. لكن المحكمة العليا الأمريكية أفتت أن هذا الإستنتاج لا يجوز إستعماله كدليل ذنب، وأن على القاضى أن ينبه المحلفين ألا يأخذوا فى الإعتبار حقيقة أن المتهم قد إحتمى بالتعديل الخامس أثناء إستجوابه (*).

كان الرئيس السابق ترامپ كثيراً ما يتندر بالتعديل الخامس، ويتصايح فى خطبه الإنتخابية: “الشخص البريئ لا يأخذ الخامس. من يأخذون الخامس هم المجرمون وأعضاء المافيا.” ثم تدور الأيام، (والقدر يسخر أحياناً،) ويجرى تحقيق مع إريك ترامپ (إبن الرئيس السابق) عن جرائم مالية إرتكبتها شركتهم. القارئ النابه قد خمن أن إريك قد لاذ بالتعديل الخامس أثناء إستجوابه. لكن ما لا يجنح له الخيال هو أنه فعل ذلك ٥٠٠ مره فى نفس التحقيق. لم يندهش أحد لهذا الخبر، فالجميع يعلمون أنهم عائلة لا تتميز بالأستقامة (**). (الفارق الوحيد بين أعداء ترامپ وأنصاره هو أن الأعداء يعتبرون الإجرام شيئاً سيئاً، أما الأنصار فيعتبرونه أمراً مقبولاً و لا بأس منه.)

مؤخراً صدر حكم قضائى يرغم ترامپ نفسه على الإدلاء بأقواله. ولا يشك أحد أنه سيلوذ بالتعديل الخامس لو وصل الأمر إلى الإستجواب. لكنه قد لا يصل، فقد أثبت ترامپ أنه محنك فى إستخدام المحاكم لتضييع الوقت، فمحاموه يعترضون على إختيار القاضى، ويطلبون التأجيل، ثم الإستئناف، ثم النقض … حتى يصلوا إلى المحكمة العليا. وبعد أن يخسروا نقطة إختيار القاضى، يعترضون على إختيار المدينة، ومرة أخرى يطلبون التأجيل، ثم الإستئناف، ثم النقض … حتى المحكمة العليا. ثم يعترضون على إختيار موعد المحاكمة … وهلم جرا. كل ذلك وهم يعرفون أنهم سيخسرون كل هذه القضايا، لكن هدفهم ليس كسب القضايا بل التسويح إلى مالانهايه. نتيجة ذلك أنه على الرغم من عشرات القضايا ضد ترامپ لم يصل أيها إلى مرحلة المحاكمة حتى الآن. (***).
____________________________
*) هذا فى القضايا الجنائية. أما فى القضايا المدنية فتجوز الإشارة إلى أن المتهم إستعمل حقه بموجب التعديل الخامس.
**) صدرت ضدهم مسبقاً أحكام بتشغيل جامعة وهمية، وبالتحايل على قوانين المؤسسات الخيرية، وأعلن ترامپ إفلاسه عدة مرات (الإفلاس هو طريقة قانونية لأسقاط المديونية، أي أكل فلوس المُقرضين.)
***) كتبت هذه النبذة منذ مدة. وبالأمس فقط (٩\٨\٢٢) نفذت حيل ترامپ و إضطر إلى الإدلاء بأقواله. غنى عن الذكر أنه “أخذ الخامس” فى جميع الأسئلة ما عدا إسمه وعنوانه.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫2 تعليقات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى