كتّاب

كنا أطفال صغار فى أول السبعينات، وعايشين ف بيئة بدون كهرباء…


كنا أطفال صغار فى أول السبعينات، وعايشين ف بيئة بدون كهرباء ولا مياه، والراديو شحيح جدا ف بلدنا لا يتعدى أصحابه الثلاثة أفراد، والحاج أنور الزاوى يوزع من الجرائد أقل من عشرين نسخة، وخمس نسخ من مجلة ميكى، يعنى تقريبا معزولين عن العالم سوى الحفلة الشهرية التى يرسلون فيها السينما ف الوحدة، وتعرض إما فيلم الشيماء وبعده بروس لى، وإما عنترة بن شداد وبعده بروس لى، أما الأخبار فلم نكن نسمعها ولو سمعنا مافهمنا……….
ومع ذلك كنا نكره السادات بدون مبرر، والكراهية جمعاء، كل العيال تكره الرئيس، حتى فى إنتصار أكتوبر الذى قدمنا فيه شهيد من بلدنا هو الملازم حاتم أبو سلومة، والذى فوجئت بوالدته تطلق الزغاريد فى الجبل بدلا من النواح، وشعرنا بالفخر بالنصر ومساهمة شهيدنا فيه، ولكن عندما تحطمت هليكوبتر بقائد عظيم للجيش إتهمنا السادات، بل وصل الكره أن قررنا أنا ومظهر وعبعال توزيع منشورات ضد الرئيس، وفكرنا كيف نوصلها للرجال المؤثرين فى قريتنا أثناء صلاة الفجر ومن تحت الباب، وسوف نفجر مفاجأة ونخبرهم أن السادات يشرب الخمر، وما الكأس الذى يضعه أمامه وهو يخطب إلا كأس خمر، ولاحظوا كيف يشرب لتعلموا أنه خامورجى.!!
فى نهاية السبعينات كنا قد نسينا الوطن ودخلنا تحت عباءة نزار قبانى وهو يبنى هرما من حلمات النساء، ويقبل الآلاف منهن، ونكتب تلك الفتوح ونعيش دور الدونجوان الذى تجرى وراءه النساء، ولكنى كنت قد إكتشفت شاعرا عظيما مغرورا هو المتنبى، وكنت ساعتها – ومازلت- أراه أعظم الشعراء، فهو يمثلنى فى العظمة والغرور.
وهنا ظهرت قصيدة لا تصالح للعظيم أمل دنقل، وفهمنا منها إنه يرفض مثلنا إتفاقية السلام مع الأعداء، وبدأنا فى حفظها ونسج الأساطير حول مصير صاحبها، ليتحول أمل دنقل إلى رمز لثورتنا على السلطة، ورأيت فيها أبى بكل عظمته وجبروته، ورأيت فيها أخى الذى لو خسرته خسرت الدنيا، ولو فقأ عيناى ووضع حوهرتين مكانهما، سوف يندم أشد الندم……….
بحثنا عن صورة للعظيم أمل دنقل رمز ثورتنا، لنصاب بالإحباط، فلم يكن الزعيم فى عظمة عبد الناصر، ولا فى قوة عنترة، بل كان مثلنا هزيلا نحيلا حزينا مريضا، لم يكن يحمل سمات البطل المعهودة، بل كان كسير القلب حزين العينين، تائه بلا أين يسند أسه، وتغيرت فى داخلى صورة البطل من فريد شوقى وعنترة بن شداد، إلى الجنوبى الحزين الهزيل أمل دنقل.
فمن هو أمل هذا ……………………………….؟

…………………………………………………………………………………………

(1 )
لا تصالحْ!
..ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى..:
ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،
حسُّكما فجأةً بالرجولةِ،
هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،
الصمتُ مبتسمين لتأنيب أمكما.. وكأنكما
ما تزالان طفلين!
تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!
(2)
لا تصالح على الدم.. حتى بدم!
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟!
أعيناه عينا أخيك؟!
وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك
بيدٍ سيفها أثْكَلك؟
سيقولون:
جئناك كي تحقن الدم..
جئناك. كن يا أمير الحكم
سيقولون:
ها نحن أبناء عم.
قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك
واغرس السيفَ في جبهة الصحراء
إلى أن يجيب العدم
إنني كنت لك
فارسًا،
وأخًا،
وأبًا،
ومَلِك!
(9)
لا تصالح
ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ
والرجال التي ملأتها الشروخ
هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم
وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ
لا تصالح
فليس سوى أن تريد
أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد
وسواك.. المسوخ!
(10)
لا تصالحْ
لا تصالحْ




يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫3 تعليقات

  1. أمل دنقل من اجمل الشعراء ولا تصالح قصيدة جميلة وكلمات سبارتكوس الأخيرة جميلة جدا دة بالنسبه لامل دنقل ، بالنسبة للسادات فإن الحسنة الوحيدة في حكمة بعد نصر أكتوبر هي معاهدة السلام مع إسرائيل لولاها كان زمانا مثل الفلسطنيين السوريين نتمني الجلوس مع الاسرائيليين والحصول لو على ربع ارض سيناء

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى