توعية وتثقيف

الأمية الإحصائيه…


الأمية الإحصائيه

يؤكد البعض، عن إقتناع راسخ، أن مصر كانت أيام الملك فاروق بلداً غنياً يُقرض الدول الكبرى ملايين الجنيهات، وأن المصريين كانوا فى ذلك الزمان يعيشون فى عز ورغد. أغلب الناس ذكرياتهم عن الطفولة والشباب ورديه ولا تضاهى الواقع. لذلك لا بد أن نرجع إلى بيانات موضوعية يعوّل عليها، و من مصدر موثوق به. وجدت هذه الأرقام من الأمم المتحدة، عن سنة ١٩٥٠:

متوسط الدخل السنوى للفرد سنة ١٩٥٠ (بالدولار الأمريكى):
مصر: ٥١٧ دولار
نيجيريا: ٥٤٧ دولار
كينيا؛ ٩٤٧ دولار
غانا: ١١٩٣ دولار

أي أن مصر كانت أفقر من نيجيريا وكينيا وغانا، التى كانت بدورها من أفقر البلاد فى العالم. كيف يتسق هذا مع الذين يتذكرون أن مصر كانت غنية والحياة فيها رغده؟ قال لى أحدهم: “أنا مايهمنيش إحصائيات ولا زفت! إللى أعرفه إن إحنا كنا عايشين كويس”.

لن تغير هذه المعلومة رأياً ولن تعدل موقفاً. فالملكيون يؤمنون بما يؤمنون به ليس عن جهل أو لندرة المعلومات، بل لأسباب عاطفية ونفسية. لذلك نتركهم فى حالهم ونستغل هذه الفرصة للدردشة قليلاً عن الإحصاء: ماهو متوسط الدخل؟ وهل يمكن أن نستدل منه على مستوى المعيشه؟ …إلخ.

‘متوسط الدخل’ هو مجمل الدخل القومى للدولة مقسوم على عدد السكان. وهو بالتأكيد معيار معقول لمستوى المعيشة فى أغلب الأحوال، لا سيما إذا أخذنا القدرة الشرائية فى الإعتبار وفق منظومة PPP (*). لكن الموضوع فيه دقائق وتفاصيل (ليس أي منها فى صالح صاحبنا ذى الميول الملكيه.) خذ، على سبيل المثال، بلداً إفتراضياً فيه 100 مواطن دخل كل منهم 100$ فى السنه، وأمير دخله السنوي 100 مليون $. متوسط دخل الفرد فى تلك الإمارة العبثية سيكون حوالى مليون $ فى السنه بينما كل الناس (ما عدا واحد) دخلهم السنوى 100$ لا أكثر. هذه الحالة المبالغ فيها توضح أن متوسط الدخل لا يكون له معنى إذا كان توزيع الدخل مختلا بشده.

إذا إنحرف توزيع الثروة بشدة عن التوزيع العادى (normal) لا يكون المتوسط (average) معياراً مفيداً. ما هو هذا التوزيع “العادى”؟ يكون التوزيع عادياً (بالمعنى الرياضى وليس بالمعنى الدارج) عندما تكون الشريحة التى دخلها متوسط هي أكثر الشرائح عدداً، ويكون المعدمون وذوو الثراء الفاحش كلاهما أقليات. لذا فالمتوسط يكون معياراً مقبولاً لمقارنة الدانمرك بهولندا مثلاً. لكنه لا يصلح لمقارنة الدانمرك بناميبيا.

هناك معيار آخر غير المتوسط يسمى الوسيط (median )، وهو الرقم الذى يقسم الناس إلى قسمين متساويين – نصف يحصل على دخل أعلى، ونصف يحصل على دخل أقل من الوسيط. لو حسبنا الوسيط فى الحالة الإفتراضية التى تخيلناها لوجدنا أنه 100$، وهو رقم يختلف إختلافاً شاسعاً عن المتوسط الذى حسبناه (مليون $)، ويعكس الحالة فى إمارتنا التعيسة على نحو أصدق.

إختلاف الوسيط عن المتوسط هو فى حد ذاته معلومة قيمه. إذا تقارب الرقمان إستنتجنا أن الدخول موزعة توزيعاً عادياً (أو جاوسياً) (**). أما إذا كان التوزيع منحرفاً، (أقلية ضئيلة من الأغنياء وأكثرية ساحقة من الفقراء) فسترى فارقاً واضحاً بين الرقمين. وكلما زاد إنحراف التوزيع كلما إتسعت الهوه. (***)
_______________________

*) الرمز PPP يشير إلى التعبير Purchasing-Power Parity الذى يأخذ فى الإعتبار تباين تكاليف المعيشه.
**) على إسم العالِم الألمانى جاوس (Gauss) الذى علمنا الصيغة الرياضية للتوزيع العادى.
***) إذا إنتابك الفضول وأردت مزيداً من الأرقام عن عام ١٩٥٠، ها هي عينه:
الولايات المتحده: ٩٥٧٣ $
فرنسا: ٥٢٢١ $
الهند: ٥٩٧ $
المكسيك: ٢٠٨٥ $
جنوب أفريقيا: ٢٢٥١ $
إثيوپيا: ٢٧٧ $

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫6 تعليقات

  1. هواية من هواياتي الفيسبوكية هي “فقع بالون” bursting the bubble للناس الذين يعيشون في هذه الاوهام، اوهام القاهرة كانت اجمل المدن و التاكسي كان شيفروليه و السفرجي سوداني و الكهربائي طلياني و البقال يوناني و مصر مداينة بريطانيا و وزير خارجية امريكا ترجي مصر لانقاذ اوربا من المجاعة بعد الحرب و سميرة موسي اغتالوها بعربة نقل لانها كانت علي وشك صنع اول قنبلة ذرية مصرية.

  2. فعلا لا سبيل لدحر تلك المقولات غير الحقيقية إلا الأرقام الفعلية المعبرة.
    هل يذكرنا أحد عن مشروع مكافحة الحافي، و حصر الحفاة…الخ في العصر إياه؟

  3. هل حسبوا الدخول على أساس قيمة الدولار الآن ام في سنة ١٩٥٠؟ يكون بحثك المهم مكتملا لو عثرت لنا عن مقارنة نفس الدول حاليا بعد ٧٠ سنة أو ما يقرب لندرك اتجاه سير الاقتصاديات. بالمناسبة هل تدخل القروض والمنح في التقييم؟

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى