كتّاب

فى ذكرى مولد الرسول “صلى الله عليه وسلم”…


فى ذكرى مولد الرسول “صلى الله عليه وسلم”
القصيدة التى نافست القرآن على قلوب المصريين
بردة المديح للبوصيرى

يقول يحيى حقى فى كتابه خليها على الله: “ليس هناك مكتوب نافس القرآن الكريم على قلوب المصريين إلا بردة المديح للبوصيرى”.. كان المصريون يكتبونها بماء الذهب وبالدم على الرق الثمين، ويضعونها فى أكياس من الحرير والقطيفة الخضراء، وكانت هدية العظماء للعظماء، وكان لحفاظها ومنشديها مكانة خاصة فى قلوب الناس، وكانت تنشد فى التجمعات وفى الأفراح وفى استقبال الحجيج وفى الذكر والموالد وفى حفلات الطهور والسبوع والزواج بل وفى الجنازات فكان منشديها ينشدونها وهم يسيرون فى مقدمة الجنازة فهى فى يقينهم خير شفيع لمن مات
وكانت تكتب على جدران المبانى الفخمة كالمساجد والوكالات و تجدونها تزين الجدران الداخلية لمسجد محمد على باشا الكبير بالقلعة، كما تزين غرف السلاملك ببيت السحيمى بالدرب الأصفر بالجمالية
ويحكى طه حسين فى أيامه كيف كان شيخ كتابه الضرير البدين يقف به وبزميله فى الطريق وهم يقودانه، وهو يوقع بيديه على صدورهم منشدا أبيات البردة بصوت أجش عال
والبوصيرى ولد فى قرية دلاص احدى قرى بنى سويف سنة 1213 وهو من أصل بربرى وانتقلت اسرته فى كفولته الى قرية بوصير فغلبت على اسمه وسمى البوصيرى، ومات سنة 1295، فيكون قد عاش شبابه زمن الأيوبيين وكهولته وشيخوخته فى زمن المماليك، رحل الى القاهرة صغيرا وتلقى العلم فى الازهر الشريف وعمل فى حياته كاتبا ومعلما للخطوط وتولى بعض المناصب الادارية زمن المماليك، فلما احاطت به دسائس الناقمين عليه استقال من جميع اعماله الادارية وتفرغ للعبادة والدراسة وخاصة دراسة مختلف سير الرسول صلى الله على وسلم،وهو وأحد من سادة صوفية الصف الثانى فهو لا يدانى ابراهيم الدسوقى ولا أبو الحسن الشاذلى ولا السيد البدوى ولا عبد الرحيم القناوى
يروى أنه فى ليلة ذات شتاء قارس وقبل أن يتهيأ للوضوء لصلاة العشاء شعر برعشة هائلة فى جسده وعرق غزير يتفصد منهولم يلبث ان أصابه “الفالج” أى الشلل، وكان وحيدا، فشعر أنها النهاية ونام وهو يرتعد باكيا مرتاعا .. غير أنه قبيل آذان الفجر قد رأى فيما يرى النائم، أن رسول الله”صلى الله عليه وسلم” يجلس فوق رأسه ويمسد بيده الشريفة على رأسه وشعره ووجهه وصدره، ثم وقف الرسول “ص” وخلع بردته الشريفة وغطاه بها، فاطمأن قلب الرجل وغط فى نوم عميق
وتنبه وهو يسمع آذان الفجر يأت من بعيد، فوجد نفسه يهب من نومه مصحا عفيا سعيدا بما رأى فى منامه وهو يعرف يقينا “أن من رأى الرسول فى المنام فقد رآه حقا فالشيطان لا يتمثل به” فراح يستحم بماء بارد من عرق غزير ويصلى الفجر، ويقرأ بعده ما تيسر من آيات الذكر الحكيم، وينام مقرور العين منشرحا شاكرا ليلقى الله على قلبه قصيدته “الكواكب الدرية فى مدح خير البرية” كاملة بأبياتها المئة والستين، ومع هذا غلبت تسميتها بالبردة بين الناس جميعا، وللصوفية أحوال لايعرفها إلا المجربون العارفون،
وتقع أبيات البردة فى أجزاء منها الغزل والتحذير من هوى النفس ومدح الرسول وجهاده ومعجزاته والتوسل به ومناجاته
ومن أبياتها:
أمن تذكر جيران بذى سلم … مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
لولا الهوى لم ترق دمعا على … طلل ولا أرقت لذكر البان والعلم
فكيف تنكر حبا بعدما شهدت … به عليك عدول الدمع والسقم
واستفرغ الدمع من عين قد امتلأت … من المحارم والزم حمية الندم
وخالف النفس والشيطان واعصهما … وإن هما محضاك النصح فاتهم
استغفر الله من قول بلا عمل … لقد نسبت به نسلا لذى عقم
نبينا الآمر الناهى فلا أحد .. أبر فى قول لا منه ولا نعم
هو الحبيب الذى ترجى شفاعته .. لكل هول من الأهوال مقتحم
جاءت لدعوته الأشجار ساجدة … تمشى إليه على ساق بلا قدم
يا أكرم الخلق مالى من الوذ به … سواك عند حدوث الحادث العمم
يارب بالمصطفى بلغ مقاصدنا … واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

وعاشت البردة سيدة المدائح النبوية ومثالا يحتذى لقصائد مدح الرسول فى مختلف البقاع وعلى مر الدهور، وفى مصر نسج على منوالها أحمد بك شوقى قصيدته نهج البردة وهى قصيدة رائعة غنتها ام كلثوم من لحن رياض السنباطى وذاعت فى الناس وانتشرت ولكنها لم تستطع ان تزيح بردة البوصيرى عن عرشها المتوجة عليه فى قلوب الناس
ومات البوصيرى بعد أن طبقت شهرته الآفاق بفضل بردته المباركة فأوصى بدفنة مع رفيقه وأستاذه فى التصوف أبو العباس المرسى الذى مات قبله بأكثر من عشر سنوات فى مقبرة ضمتهما معا وهى الآن فى احد جوانب جامع المرسي ابو العباس فى الاسكندرية
يسعد أوقاتكم

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى