كتّابمفكرون

“القوة الناعمة المصرية” (3)…


“القوة الناعمة المصرية” (3)

حاولت في المقالين السابقين، تسليط الضوء علي تصاعد القوة الناعمة المصرية منذ عشرينات القرن الماضي، ووصولها الي أوجها في الخمسينات والستينات، ثم بداية تراجعها منذ عقد السبعينات، وفي هذا المقال، أتعرض لأسس وعوامل إستعادة وتجديد هذه القوة، التي لا غني عنها، خاصة وأن الدول الأخري في المنطقة لم تستطع أن تكتسب عناصر ومقومات قوة ناعمة شاملة مشابهة، وأن ما نشهده هي محاولات جزئية متفرقة لا ترقي لما كنا قد وصلنا إليه.

بداية يجب أن أشير الي أن الاستخدام الذكي لمصادر القوة عموما، سواء كانت قوة صلبة (عسكرية واقتصادية ودبلوماسية)، أو قوة ناعمة، يصب في النهاية لتحقيق المصلحة الوطنية كهدف رئيسي، وهو ما يسمي بالقوة الذكية Smart Power. بمعني أن القوة الناعمة ليست بمعزل عن الإطار المتكامل للدولة المصرية، بدءا من نظامها السياسي، مرورا بقدراتها وإمكاناتها المتنوعة، وصولا الي العامل البشري ومدي تنميته.

كما أن هناك أساس آخر غاية في الأهمية، وهو أن ما يتكون في المحيط الإقليمي من قوة ناعمة، هي روافد ممتدة، تعتمد علي ما أهملناه من عناصر ريادة قوتنا الناعمة، فلم نكترث بالحفاظ عليها، وتركناها ليبنوا عليها ويطوروها، ولكنها تبقي هي الأساس ونحن أولي بها.

الخطوة الأولي في تجديد القوة الناعمة تبدأ بتعزيز مصداقية النظام السياسي، وإرسائه علي أسس من الديمقراطية والشفافية وتحقيق العدل وحماية حقوق الإنسان، لأن صلاح المجتمع لا يأتي إلا بصلاح السياسة الوطنية وصلاحية كافة مؤسسات الحكم.

ثم تأتي إعادة بناء وتأهيل العنصر البشري، وتلافي سلبيات إهماله، التي دامت لخمسة عقود، وأسفرت عن تداعي معظم مناحي التعليم والصحة ومستوي المعيشة، في حين أن هذا العنصر البشري يحمل مقومات إنسانية وتاريخية طويلة وإنجازات حضارية رائدة، بدأت بإكتشاف الزراعة وبناء الأهرامات ولم تتوقف حتي بناء السد العالي وبعده، وله من المنجزات العلمية والفكرية، ما يجعله قادرا علي الإبداع وعلي إستعادة مسيرته، في حال توفر العدل الإجتماعي والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص.

علي الدولة ممثلة في نظامها الحاكم ومنظماتها الرسمية والخاصة (غير الحكومية) أن تهتم بدعم وتشجيع العلم والفكر والثقافة والفنون بأنواعها، بكل قوة وبتجرد ودون قيود، وبقدر لا يقل عن إهتمامها بدعم القوة الصلبة، فكلاهما تعزيز للقوة المصرية الشاملة، وعليها أن تهتم بضخ الاستثمارات في مجالات الأنشطة السياحية والفكرية والأدبية والفنية والرياضية، وحل مشاكل الإعلام الرسمي وتطويره، واضعة في إعتبارها أن هناك حاجة وطنية وقومية ملحة لإستعادة دور مصر وتأثيرها العربي، والخروج من الدائرة الضيقة داخل حدودها، التي تسعي القوي الدولية والإقليمية لحصرها داخلها.

إن الصحوة الدينية المدّعاة والتي قادتها بعض دول المنطقة وعاونها في ذلك عناصر داخلية مثل الجماعات الإسلامية والإخوان المسلمين في السبعينات، كانت هي لحظة البدء في تراجع القوة الناعمة المصرية، وبالمثل فإن اللحظة الراهنة التي تمر بها المنطقة مؤهلة لصحوة جديدة تعتمد علي التجديد الشامل للفكر الديني، وتنقية ما شابه من شوائب، ومسايرة العصر، وفي هذا يبرز الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات الدينية المصرية وعلي رأسها الأزهر لتسترد ريادتها تعزيزا للقوة الناعمة المصرية، إذا ما تخلت عن جمودها وإنغلاقها.

إن القوة الناعمة ليست نفطا سينضب، أو قوة عسكرية يمكن أن تنهزم، وقوتنا الناعمة وإن عانت من تراجع فهي مازالت في كثير من مجالاتها تحتفظ بقدر معقول من القبول والتقدير في الدائرة الإقليمية، ما يمكن البناء عليه لتجديدها واستعادتها.
#بالعقل_والهداوة

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Sameer Zain-Elabideen سمير زين العابدين

خريج الكلية الحربية فبراير 1969, أعمل حاليا في النظر حولي وأشياء أخري, عقلي هو إمامي ورئيسي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى